كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (اسم الجزء: 4)

الْمَسِيحِ كَانَ مِنْ جِنْسِ نَوَاسِيتِ الْبَشَرِ، لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِثْلُهُ عَلَى غَيْرِهِ، بَلْ ظَهَرَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ أَكْثَرُ مِمَّا ظَهَرَ عَلَيْهِ.
وَبِالْجُمْلَةِ، فَأَيُّ مَثَلٍ ضَرَبُوهُ لِلِاتِّحَادِ، كَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ وَظَهَرَ بِهِ فَسَادُ قَوْلِهِمْ.
وَإِنْ قَالُوا: هَذَا أَمْرٌ لَا يُعْقَلُ، بَلْ هُوَ فَوْقَ الْعُقُولِ، كَانَ الْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَجِبُ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا يَعْلَمُ الْعَقْلُ بُطْلَانَهُ وَامْتِنَاعَهُ، وَبَيْنَ مَا يَعْجِزُ الْعَقْلُ عَنْ تَصَوُّرِهِ وَمَعْرِفَتِهِ.
فَالْأَوَّلُ: مِنْ مُحَالَاتِ الْعُقُولِ، وَالثَّانِي مِنْ مُحَارَاتِ الْعُقُولِ، وَالرُّسُلُ يُخْبِرُونَ بِالثَّانِي.
وَأَمَّا الْأَوَّلُ: فَلَا يَقُولُهُ إِلَّا كَاذِبٌ، وَلَوْ جَازَ أَنْ يَقُولَ هَذَا، لَجَازَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْجِسْمَ الْوَاحِدَ يَكُونُ أَبْيَضَ أَسْوَدَ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنَّهُ بِعَيْنِهِ يَكُونُ فِي مَكَانَيْنِ، وَإِنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ يَكُونُ مَوْجُودًا مَعْدُومًا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِمَّا يَعْلَمُ الْعَقْلُ امْتِنَاعَهُ.
وَقَوْلُ النَّصَارَى مِمَّا يُعْلَمُ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ أَنَّهُ بَاطِلٌ، لَيْسَ هُوَ مِمَّا يَعْجِزُ عَنْ تَصَوُّرِهِ.
يُوَضِّحُ هَذَا، أَنَّهُ لَوْ قَالَ قَائِلٌ فِي مَرْيَمَ أُمِّ الْمَسِيحِ: (امْرَأَةُ اللَّهِ وَزَوْجَتُهُ) ، وَأَنَّهُ نَكَحَهَا نِكَاحًا عَقْلِيًّا، كَمَا يَقُولُونَ: إِنَّ الْمَسِيحَ وَلَدُهُ وِلَادَةً عَقْلِيَّةً، لَمْ يَكُنْ هَذَا الْقَوْلُ أَفْسَدَ فِي الْعَقْلِ مِنْ قَوْلِهِمْ فِي الْمَسِيحِ، كَمَا

الصفحة 391