كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (اسم الجزء: 4)

كَمَا يَعْلَمُونَ تَمَاثُلَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ وَاخْتِلَافِ الْمُخْتَلِفَيْنِ - أَعْنِي اخْتِلَافَ التَّنَوُّعِ، لَا اخْتِلَافَ التَّضَادِّ وَالتَّبَايُنِ - فَإِنَّ لَفْظَ (الِاخْتِلَافِ) يُرَادُ بِهِ هَذَا وَهَذَا.
وَهَذِهِ الْمَعْقُولَاتُ فِي الْعِلْمِيَّاتِ وَالْعَمَلِيَّاتِ، هِيَ الَّتِي ذَمَّ اللَّهُ مَنْ خَالَفَهَا بِقَوْلِهِ: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 10] وَقَوْلِهِ: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} [الحج: 46]
وَأَمَّا مَا يُسَمِّيهِ بَعْضُ النَّاسِ (مَعْقُولَاتٍ) وَيُخَالِفُهُ فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ الْعُقَلَاءِ، مِثْلَ الْقَوْلِ بِتَمَاثُلِ الْأَجْسَامِ وَبَقَاءِ الْأَعْرَاضِ، وَأَنَّ الْأَجْسَامَ مُرَكَّبَةٌ مِنَ الْجَوَاهِرِ الْمُنْفَرِدَةِ الَّتِي لَا تَقْبَلُ الْقِسْمَةَ، أَوْ مِنَ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ، وَأَنَّ مَا لَا يَتَنَاهَى مِنَ الْأُمُورِ الْمُتَعَاقِبَةِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، يَمْتَنِعُ وُجُودُهُ إِمَّا فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ، أَوْ فِي الْمَاضِي فَقَطْ، أَوْ أَنَّ الْكُلِّيَّاتِ مَوْجُودَةٌ فِي الْخَارِجِ جَوَاهِرَ قَائِمَةً بِأَنْفُسِهَا، أَوْ أَنَّ لَنَا دَهْرًا أَوْ مَادَّةً هِيَ جَوْهَرٌ عَقْلِيٌّ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ، أَوْ أَنَّهُ يُمْكِنُ وُجُودُ جَوْهَرٍ قَائِمٍ بِنَفْسِهِ لَا يُشَارُ إِلَيْهِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَعُدُّهُ مَنْ يَعُدُّهُ مِنَ النُّظَّارِ أَنَّهُ عَقْلِيَّاتٌ

الصفحة 396