كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (اسم الجزء: 4)

وَكَذَلِكَ السَّكْرَانُ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ يَضْعُفُ عَقْلُهُ، فَهَذَا يَشْهَدُ بِحِسِّهِ الْبَاطِنِ أَوِ الظَّاهِرِ أَشْيَاءَ، وَقَدْ ضَعُفَ عَقْلُهُ عَنْ كُنْهِ ذَلِكَ لَمَّا وَرَدَ عَلَيْهِ، وَإِذَا ثَابَ إِلَيْهِ عَقْلُهُ، عَلِمَ أَنَّ مَا شَهِدَهُ كَانَ فِي نَفْسِهِ وَخَيَالِهِ، لَا فِي الْخَارِجِ عَنْ ذَلِكَ.
فَكُلُّ مَنْ أَخْبَرَ بِمَا يُخَالِفُ صَحِيحَ الْمَنْقُولِ أَوْ صَرِيحَ الْمَعْقُولِ يُعْلَمُ أَنَّهُ وَقَعَ لَهُ غَلَطٌ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فِيمَا يَشْهَدُهُ فِي الْحِسِّ الْبَاطِنِ أَوِ الظَّاهِرِ، لَكِنَّ الْغَلَطَ وَقَعَ فِي ظَنِّهِ الْفَاسِدِ الْمُخَالِفِ لِصَرِيحِ الْعَقْلِ لَا فِي مُجَرَّدِ الْحِسِّ، فَإِنَّ الْحِسَّ لَيْسَ فِيهِ عِلْمٌ بِنَفْيٍ أَوْ إِثْبَاتٍ.
فَمَنْ رَأَى شَخْصًا، فَلَيْسَ فِي الْحِسِّ إِلَّا رُؤْيَتُهُ.
وَأَمَّا كَوْنُهُ زَيْدًا أَوْ عَمْرًا، فَهَذَا لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ عَقْلٍ يُمَيِّزُ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا، وَلِهَذَا كَانَ الصَّغِيرُ وَالْمَجْنُونُ وَالْبَهِيمُ وَالسَّكْرَانُ وَالنَّائِمُ وَنَحْوُهُمْ - لَهُمْ حِسٌّ، وَلَكِنْ لِعَدَمِ الْعَقْلِ لَا يُمَيِّزُونَ أَنَّ هَذَا الْمَشْهُودَ هُوَ كَذَا أَمْ كَذَا، بَلْ قَدْ يَظُنُّونَ ظُنُونًا غَيْرَ مُطَابِقَةٍ.
قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ

الصفحة 399