كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (اسم الجزء: 4)

وَلَا يُعْرَفُ عَالِمٌ مَشْهُورٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا طَائِفَةٌ مَشْهُورَةٌ مِنْ طَوَائِفِهِمْ، يُطْلِقُونَ الْعِبَارَةَ الَّتِي حَكَوْهَا عَنِ الْمُسْلِمِينَ، حَيْثُ قَالُوا عَنْهُمْ: (إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ لِلَّهِ عَيْنَيْنِ يُبْصِرُ بِهِمَا، وَيَدَيْنِ يَبْسُطُهُمَا، وَسَاقًا وَوَجْهًا يُوَلِّيهِ إِلَى كُلِّ مَكَانٍ، وَجَنْبًا) .
وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ رَكَّبُوا مِنْ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ بِسُوءِ تَصَرُّفِهِمْ وَفَهْمِهِمْ، تَرْكِيبًا زَعَمُوا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يُطْلِقُونَهُ.
وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مَا يَدُلُّ ظَاهِرُهُ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ، فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - قَالَ فِي كِتَابِهِ: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة: 64]
وَالْيَهُودُ أَرَادُوا بِقَوْلِهِمْ: (يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ) أَنَّهُ بَخِيلٌ، فَكَذَّبَهُمُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ جَوَّادٌ لَا يَبْخَلُ، فَأَخْبَرَ أَنَّ يَدَيْهِ مَبْسُوطَتَانِ، كَمَا قَالَ: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء: 29]
فَبَسْطُ الْيَدَيْنِ الْمُرَادُ بِهِ الْجَوَادُ وَالْعَطَاءُ، لَيْسَ الْمُرَادُ مَا تَوَهَّمُوهُ مِنْ بَسْطٍ مُجَرَّدٍ.
وَلَمَّا كَانَ الْعَطَاءُ بِالْيَدِ يَكُونُ بِبَسْطِهَا، صَارَ مِنَ الْمَعْرُوفِ فِي اللُّغَةِ التَّعْبِيرُ بِبَسْطِ الْيَدِ عَنِ الْعَطَاءِ.

الصفحة 412