كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (اسم الجزء: 4)
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَيَاةَ وَالنُّطْقَ لَا تُعْقَلُ إِلَّا صِفَةً قَائِمَةً بِمَوْصُوفٍ، وَلَا يُعْلَمُ مَوْصُوفٌ بِالْحَيَاةِ وَالنُّطْقِ إِلَّا مَا هُوَ مُشَارٌ إِلَيْهِ، بَلْ مَا هُوَ جِسْمٌ كَالْإِنْسَانِ.
فَإِنْ جَازَ لَكُمْ أَنْ تُثْبِتُوا هَذِهِ الْأَعْرَاضَ فِي غَيْرِ جِسْمٍ، جَازَ لِغَيْرِكُمْ أَنْ يُثْبِتَ الْمَجِيءَ وَالْيَدَ وَنَحْوَ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْجِسْمِ.
وَإِنْ قُلْتُمْ: هَذَا لَا يُعْقَلُ إِلَّا لِجِسْمٍ، قِيلَ لَكُمْ: وَذَلِكَ لَا يُعْقَلُ إِلَّا لِجِسْمٍ، فَإِنْ رَجَعْتُمْ إِلَى الشَّاهِدِ، كَانَ حُجَّةً عَلَيْكُمْ، وَإِنْ جَازَ لَكُمْ أَنْ تُثْبِتُوا فِي الْغَائِبِ حُكْمًا عَلَى خِلَافِ الشَّاهِدِ، جَازَ لِغَيْرِكُمْ، وَحِينَئِذٍ فَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ مَا نَفَاهُ الْمُسْلِمُونَ وَأَثْبَتُّمُوهُ، لَوْ كَانَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ عَنْهُمْ مِنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ حَقًّا عَلَى وَجْهِهِ، فَكَيْفَ وَقَدْ وَقَعَ التَّحْرِيفُ فِي الطَّرَفَيْنِ؟
الْوَجْهُ السَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: غَايَةُ مَقْصُودِكُمْ أَنْ تَقُولُوا: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمَّا أَطْلَقُوا أَلْفَاظًا ظَاهِرُهَا كُفْرٌ عِنْدَهُمْ، لِمَجِيءِ النَّصِّ بِهَا، وَهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ ظَاهِرَ مَدْلُولِهَا، كَذَلِكَ نَحْنُ أَطْلَقْنَا هَذِهِ الْأَلْفَاظَ الَّتِي ظَاهِرُهَا كُفْرٌ، لِمَجِيءِ النَّصِّ بِهَا، وَنَحْنُ لَا نَعْتَقِدُ مَدْلُولَهَا.
فَيُقَالُ لَكُمْ: أَوَّلًا: إِنَّ مَا أَطْلَقَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ نُصُوصِ الصِّفَاتِ أَطْلَقْتُمُوهُ أَنْتُمْ، كَمَا وَرَدَتْ بِهِ التَّوْرَاةُ، فَهَذَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ، وَمَا اخْتَصَصْتُمْ بِهِ مِنَ التَّثْلِيثِ، وَالِاتِّحَادِ لَمْ يَشْرَكُوكُمْ فِيهِ.
ثُمَّ يُقَالُ ثَانِيًا: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ أَطْلَقُوا أَلْفَاظَ النُّصُوصِ، وَأَنْتُمْ أَطْلَقْتُمْ أَلْفَاظًا لَمْ يَرِدْ بِهَا نَصٌّ.
الصفحة 439
502