كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (اسم الجزء: 4)

فَإِنَّكُمْ أَنْتُمْ الَّذِينَ سَمَّيْتُمْ نُطْقَ اللَّهِ ابْنًا، وَقُلْتُمْ: سَمَّيْنَاهُ ابْنًا ; لِأَنَّهُ تَوَلَّدَ مِنْهُ كَمَا يَتَوَلَّدُ الْكَلَامُ مِنَ الْعَقْلِ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَيْضًا أَنْ تُسَمُّوا حَيَاتَهُ ابْنًا ; لِأَنَّهَا مُنْبَثِقَةٌ مِنْهُ وَمُتَوَلِّدَةٌ عَنْهُ أَيْضًا، إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ عِلْمِ الرَّبِّ وَحَيَاتِهِ.
فَعِلْمُهُ لَازِمٌ لَهُ وَحَيَاتُهُ لَازِمَةٌ لَهُ، فَلِمَاذَا جَعَلْتُمْ هَذَا ابْنًا دُونَ هَذَا.
وَقُلْتُمْ: إِنَّهُ مَوْلُودٌ مِنَ اللَّهِ، وَإِنَّهُ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ، وَأَنْتُمْ تَعْتَرِفُونَ بِأَنَّ أَحَدًا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ لَمْ يُسَمِّ عِلْمَ اللَّهِ وَلَا كَلَامَهُ وَلَا حِكْمَتَهُ مَوْلُودًا مِنْهُ.
وَالَّذِي يَعْقِلُهُ الْخَلْقُ فِي الْمَوْلُودِ الَّذِي يُولَدُ مِنْ غَيْرِهِ، كَمَا يَتَوَلَّدُ الْعِلْمُ وَالْكَلَامُ مِنْ نَفْسِ الْإِنْسَانِ، أَنَّهُ حَادِثٌ فِيهِ أَوْ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ، لَا يُعْقَلُ أَنَّهُ قَائِمٌ بِهِ، وَأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْهُ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ.
ثُمَّ قُلْتُمْ فِي أَمَانَتِكُمْ، إِنَّهُ تَجَسَّمَ مِنْ رُوحِ الْقُدُسِ، أَوْ مِنْهُ وَمِنْ مَرْيَمَ.
وَهُوَ إِنَّمَا تَجَسَّمَ عِنْدَكُمْ مِنَ الْكَلِمَةِ الَّتِي سَمَّيْتُمُوهَا الِابْنَ دُونَ رُوحِ الْقُدُسِ.
وَإِنْ كَانَ تَجَسَّمَ مِنْ رُوحِ الْقُدُسِ، فَيَكُونُ هُوَ رُوحُ الْقُدُسِ لَا يَكُونُ هُوَ الْكَلِمَةُ الَّتِي هِيَ الِابْنُ.
ثُمَّ تَقُولُونَ: هُوَ كَلِمَةُ اللَّهِ وَرُوحُهُ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ أُقْنُومَيْنِ، أُقْنُومَ الْكَلِمَةِ وَأُقْنُومَ الرُّوحِ، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَكُمْ أُقْنُومٌ وَاحِدٌ.

الصفحة 442