كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (اسم الجزء: 4)

بِمُهْتَدِينَ فَضْلًا عَمَّا هُوَ أَخَصُّ مِنَ الْهُدَى وَهُوَ " كِتَابٌ مُنِيرٌ " فَلَيْسَ مَعَهُمْ بِهِ كِتَابٌ مُنِيرٌ.
وَلَوْ تَكَلَّمْتُمْ بِهَذَا الْكَلَامِ، وَقُلْتُمْ: لَا نَفْهَمُ مَعْنَاهُ أَوْ ظَاهِرُهُ بَاطِلٌ، وَلَهُ تَأْوِيلٌ مَقْبُولٌ، كَمَا حَكَيْتُمُوهُ عَمَّنْ تَشَبَّهْتُمْ بِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَنَّهُ يَقُولُهُ فِي الصِّفَاتِ - لَكَانَ هَذَا أَقْرَبَ إِلَى الْقِيَاسِ.
فَكَيْفَ وَالْأَمْرُ بِعَكْسِ مَا ذَكَرْتُمْ؟
وَذَلِكَ يَتَبَيَّنُ بِالْوَجْهِ التَّاسِعِ: وَهُوَ أَنَّكُمْ إِنَّمَا ضَلَلْتُمْ بِعُدُولِكُمْ عَنْ صَرِيحِ كَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ وَظَاهِرِهِ، إِلَى مَا تَأَوَّلْتُمُوهُ عَلَيْهِ مِنَ التَّأْوِيلَاتِ الَّتِي لَا يَدُلُّ عَلَيْهَا لَفْظُهُ، لَا نَصًّا وَلَا ظَاهِرًا، فَعَدَلْتُمْ عَنِ الْمُحْكَمِ وَاتَّبَعْتُمُ الْمُتَشَابِهَ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ.
فَلَوْ تَمَسَّكْتُمْ بِظَاهِرِ هَذَا الْكَلَامِ، لَمْ تَضِلُّوا، فَإِنَّ الِابْنَ ظَاهِرُهُ فِي كَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ، لَا يُرَادُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ، بَلْ يُرَادُ بِهِ وَلِيُّهُ وَحَبِيبُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَرُوحُ الْقُدُسِ يُرَادُ بِهِ صِفَتُهُ، بَلْ يُرَادُ بِهِ وَحْيُهُ وَمَلَكُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَعَدَلْتُمْ عَنْ ظَاهِرِ اللَّفْظِ وَمَفْهُومِهِ إِلَى مَعْنًى لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ الْبَتَّةَ، فَكَيْفَ تَدَّعُونَ أَنَّكُمُ اتَّبَعْتُمْ نُصُوصَ الْأَنْبِيَاءِ؟
الْوَجْهُ الْعَاشِرُ: أَنَّكُمْ بَالَغْتُمْ فِي ذَمِّ الْمَسِيحِ وَإِنْجِيلِهِ، كَمَا بَالَغْتُمْ فِي سَبِّ اللَّهِ وَشَتْمِهِ، وَإِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ أَنَّ ذَلِكَ ذَمٌّ، فَلَمْ تَرْضَوْا أَنْ تَجْعَلُوا ظَاهِرَ كَلَامِ الْمَسِيحِ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ حَتَّى جَعَلْتُمْ ظَاهِرَهُ كُفْرًا لَا تَرْضَوْنَهُ، مِثْلَ ثَلَاثَةِ آلِهَةٍ مُتَّفِقَةٍ أَوْ مُتَفَرِّقَةٍ، أَوْ ثَلَاثَةِ أَجْسَامٍ مُؤَلَّفَةٍ، أَوْ ثَلَاثَةِ أَجْزَاءٍ مُفَرَّقَةٍ، أَوْ ثَلَاثَةِ أَشْخَاصٍ مُرَكَّبَةٍ.
فَهَذَا وَنَحْوُهُ هُوَ الَّذِي ادَّعَيْتُمْ أَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَسِيحِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.

الصفحة 446