كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (اسم الجزء: 4)
وَهَذَا الْكَلَامُ ظَاهِرٌ، بَلْ نَصُّهُ حُجَّةٌ عَلَى خِلَافِ قَوْلِكُمْ، وَأَنَّهُ أَرَادَ بِالِابْنِ نَفْسَهُ، وَهُوَ النَّاسُوتُ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ صِفَةَ اللَّهِ، وَأَرَادَ بِرُوحِ الْقُدُسِ مَا أَيَّدَهُ اللَّهُ بِهِ، أَوْ رُوحَ الْقُدُسِ الَّذِي نَفَخَ فِي أُمِّهِ حَتَّى حَبِلَتْ بِهِ، لَمْ يُرِدْ بِهِ صِفَةَ اللَّهِ - تَعَالَى -.
فَتَأَوَّلْتُمْ كَلَامَهُ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهِ، تَأْوِيلًا يُخَالِفُ صَرِيحَ الْمَعْقُولِ وَصَحِيحَ الْمَنْقُولِ، فَكَيْفَ تَدَّعُونَ أَنَّكُمْ تَمَسَّكْتُمْ بِظَاهِرِ كَلَامِهِ؟
وَلَمَّا كَانَ قَوْلُ النَّصَارَى فِي التَّثْلِيثِ مُتَنَاقِضًا فِي نَفْسِهِ لَا حَقِيقَةَ لَهُ، صَارَ مُجَرَّدُ تَصَوُّرِهِ التَّامِّ كَافِيًا فِي الْعِلْمِ بِفَسَادِهِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَى دَلِيلٍ، وَإِنْ كَانَتِ الْأَدِلَّةُ تَظْهَرُ بِفَسَادِهِ.
وَلِهَذَا سَلَكَ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي الْكَلَامِ مَعَهُمْ هَذَا الْمَسْلَكَ، وَهُوَ أَنَّ مُجَرَّدَ تَصَوُّرِ مَذْهَبِهِمْ كَافٍ فِي الْعِلْمِ بِفَسَادِهِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَعْقُولٍ.
وَقَالُوا: إِنَّ النَّصَارَى نَاقَضَتْ فِي اللَّفْظِ وَأَحَالَتْ فِي الْمَعْنَى، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَقَدَ مَا يَدَّعُونَ انْتِحَالَهُ لِتَنَاقُضِهِ.
وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ الثَّلَاثَةَ وَاحِدٌ، وَالْوَاحِدَ ثَلَاثَةٌ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ اعْتِقَادُهُ ; لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْتَقِدَ الْمُعْتَقِدُ فِي شَيْءٍ أَنَّهُ ثَلَاثَةٌ، مَعَ اعْتِقَادِهِ فِيهِ أَنَّهُ وَاحِدٌ ; لِأَنَّ ذَلِكَ مُتَضَادٌّ.
وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَلَيْسَ يَخْلُو مِنْ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّهُ ثَلَاثَةٌ، أَوْ أَنَّهُ وَاحِدٌ.
وَلَيْسَ يَحْتَاجُ أَنْ يُعْرَفَ بِدَلِيلٍ بُطْلَانُ قَوْلِ مَنِ ادَّعَى أَنَّ الْوَاحِدَ ثَلَاثَةٌ، وَأَنَّ الثَّلَاثَةَ وَاحِدٌ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْقَلُ.
الصفحة 448
502