كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (اسم الجزء: 4)

الْكَثِيرَةَ تَكُونُ إِنْسَانًا وَاحِدًا، وَالْآحَادَ الْكَثِيرَةَ عَشَرَةً وَاحِدَةً، وَالْأَجْسَامَ الْكَثِيرَةَ دَارًا وَاحِدَةً وَمَدِينَةً وَاحِدَةً، وَمَا جَرَى هَذَا الْمَجْرَى مِمَّا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى، وَأَظْهَرُ مِنْ أَنْ يَخْفَى.
فَكَيْفَ عِبْتُمْ ذَلِكَ مِنَ النَّصَارَى؟ وَلِمَ أَنْكَرْتُمْ أَنْ يَكُونَ ثَلَاثَةُ أَقَانِيمَ جَوْهَرًا وَاحِدًا؟
قِيلَ: إِنَّ قَوْلَنَا: إِنْسَانٌ وَاحِدٌ، وَدَارٌ وَاحِدَةٌ، وَعَشَرَةٌ وَاحِدَةٌ، وَمَا يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى، أَسْمَاءٌ تُنْبِئُ عَنِ الْجُمَلِ لَا عَنْ آحَادٍ.
وَإِذَا قُلْنَا: إِنْسَانٌ وَاحِدٌ، فَكَأَنَّا قُلْنَا: جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ، وَكَذَلِكَ إِذَا قُلْنَا: عَشَرَةٌ وَاحِدَةٌ، لَا أَنَّا نُثْبِتُهُ وَاحِدًا فِي الْحَقِيقَةِ.
كَيْفَ وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ أَبْعَاضَ الْإِنْسَانِ مُتَغَايِرَةٌ، فَكُلُّ بَعْضٍ مِنْهَا غَيْرُ سَائِرِهَا، وَكَذَلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْعَشَرَةِ غَيْرُ سَائِرِهَا؟
فَنَحْنُ وَإِنْ قُلْنَا: إِنْسَانٌ وَاحِدٌ، فَلَسْنَا نُثْبِتُهُ شَيْئًا وَاحِدًا فِي نَفْسِهِ، وَلَوْ أَثْبَتْنَا ذَلِكَ، لَتَنَاقَضْنَا مُنَاقَضَةَ النَّصَارَى، وَإِنَّمَا قُلْنَا: هِيَ جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ قَالَتِ النَّصَارَى مِثْلَ ذَلِكَ، لَمْ تَتَنَاقَضْ، حَتَّى يَزْعُمُوا أَنَّهَا ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ جُمْلَةً وَاحِدَةً.
فَيَكُونُ مُرَادُهُمْ فِي ذَلِكَ بِوَصْفِهِمُ الْأَقَانِيمَ الثَّلَاثَةَ، بِأَنَّهَا جَوْهَرٌ وَاحِدٌ مِمَّا نُرِيدُ بِقَوْلِنَا: الْأَبْعَاضُ الْكَثِيرَةُ - أَنَّهُ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ.
فَيَكُونُ وَصْفُهُمْ لَهَا بِأَنَّهَا جَوْهَرٌ، إِنَّمَا يُنْبِئُ أَنَّهَا جُمْلَةً، وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يَذْهَبُونَ إِلَيْهِ، وَلَا يَعْتَقِدُونَهُ وَلَا يَجْعَلُونَ لَهُ مَعْنًى ; لِأَنَّهُمْ لَا يُعْطُونَ

الصفحة 450