كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (اسم الجزء: 4)

الْأَنْبِيَاءِ الْكَثِيرَةِ، إِلَى مَا يَحْتَمِلُهُ بَعْضُ الْأَلْفَاظِ لِمُوَافَقَتِهِ لِهَوَاهُمْ، فَلَمْ يَتَّبِعُوا: {إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} [النجم: 23]
وَأَمَّا كُفَّارُ الْمُجَسِّمَةِ، فَهَؤُلَاءِ أَعْذَرُ وَأَقَلُّ كُفْرًا مِنَ النَّصَارَى، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ كَمَا يَقُولُهُ مَعَهُمُ النُّفَاةُ: إِنَّ ظَوَاهِرَ جَمِيعِ الْكُتُبِ هُوَ التَّجْسِيمُ.
فَفِي التَّوْرَاةِ وَالْقُرْآنِ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي ظَاهِرُهَا التَّجْسِيمُ مَا لَا يُحْصَى.
وَلَيْسَ فِيهَا نَصٌّ بِمَا يَقُولُهُ النُّفَاةُ مِنْ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِدَاخِلِ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجِهِ، وَلَا مُتَّصِلٌ بِهِ وَلَا مُنْفَصِلٌ عَنْهُ، وَلَا هُوَ فَوْقَ الْعَرْشِ، وَلَا يُشَارُ إِلَيْهِ، وَلَا يَصَعَدُ إِلَيْهِ شَيْءٌ، وَلَا يَنْزِلُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَا يَقْرُبُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَا يَدْنُو مِنْ شَيْءٍ، وَلَا يَدْنُو إِلَيْهِ شَيْءٌ، إِلَى نَحْوِ ذَلِكَ مِنَ النَّفْيِ الَّذِي يَقُولُهُ نُفَاةُ الصِّفَاتِ.
فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ لَا التَّوْرَاةِ وَلَا الْإِنْجِيلِ وَلَا الزَّبُورِ وَلَا الْقُرْآنِ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ النُّبُوَّاتِ - مِنْ هَذَا حَرْفٌ وَاحِدٌ، وَكُلُّهَا مَمْلُوءَةٌ مِمَّا يَقُولُ هَؤُلَاءِ: إِنَّهُ تَجْسِيمٌ.
فَيَقُولُ هَؤُلَاءِ: نَحْنُ اتَّبَعْنَا نُصُوصَ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَمْ نَعْدِلْ عَنْهَا إِلَى غَيْرِهَا، وَلَمْ نَجِدْ فِي نُصُوصِهِمْ نَصًّا مُحْكَمًا صَرِيحًا بِالنَّفْيِ الَّذِي يَقُولُهُ نُفَاةُ الصِّفَاتِ.

الصفحة 453