كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (اسم الجزء: 4)

وَوَجَدْنَا نُصُوصَهُمْ كُلَّهَا بِالْإِثْبَاتِ الَّذِي يَقُولُونَ: إِنَّهُ تَجْسِيمٌ.
فَكَانَ عَلَى قَوْلِنَا وَقَوْلِهِمْ نُصُوصُ الْأَنْبِيَاءِ ظَاهِرَةً فِي التَّجْسِيمِ، وَلَيْسَ لَهُمْ نَصٌّ يُنَاقِضُ ذَلِكَ، فَاتَّبَعْنَا نُصُوصَهُمْ، وَكُلُّ مَنْ عَارَضَ إِثْبَاتَ الصِّفَاتِ، لَمْ يُعَارِضْهَا بِنُصُوصٍ صَرِيحَةٍ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ، لَكِنْ بِحُجَجٍ عَقْلِيَّةٍ.
فَيَقُولُ هَؤُلَاءِ: إِنَّ النَّصَارَى خَالَفُوا صَرِيحَ الْمَعْقُولِ، وَصَرِيحَ كَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ، وَاتَّبَعُوا قَلِيلًا مِنْ مُتَشَابِهِ كَلَامِهِمْ، وَنَحْنُ اتَّبَعْنَا نُصُوصَ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَمْ نُخَالِفْ شَيْئًا مِنْ صَرِيحِ نُصُوصِهِمْ، وَلَكِنْ مُخَالِفُنَا يَقُولُ: إِنَّا خَالَفْنَا الْعَقْلَ.
وَنَحْنُ نُنَازِعُهُ فِي ذَلِكَ، وَنَدَّعِي أَنَّ الْعَقْلَ مَعَنَا لَا عَلَيْنَا، وَأَنَّ مَا يَدَّعِيهِ مِنَ الْمَعْقُولَاتِ الَّتِي تُعَارِضُ كَلَامَ الْأَنْبِيَاءِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ.
أَوْ يَقُولُونَ: نَحْنُ وَالنَّصَارَى مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّا لَا نُعَارِضُ كَلَامَ الْأَنْبِيَاءِ بِالشُّبَهِ الْعَقْلِيَّةِ، لَكِنْ نَحْنُ اتَّبَعْنَا كَلَامَهُمْ الْمُحْكَمَ الظَّاهِرَ الْكَثِيرَ، الَّذِينَ لَا مُخَالِفَ لَهُ مِنْ كَلَامِهِمْ.
وَهُمْ خَالَفُوا كَلَامَهُمُ الْكَثِيرَ الْمُحْكَمَ، وَاتَّبَعُوا قَلِيلًا مِنَ الْمُتَشَابِهِ.
وَيَقُولُ الْغُلَاةُ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُكَفِّرُهُمْ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَجُمْهُورُهُمْ الَّذِي يَحْكِي عَنْهُمْ: أَنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ إِلَى الْأَرْضِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، فَيُعَانِقُ الْمُشَاةَ وَيُصَافِحُ الرُّكْبَانَ، وَأَنَّهُ يَتَمَشَّى فِي الْأَرْضِ، يَكُونُ مَوْطِئُ أَقْدَامِهِ مُرُوجًا، وَنَحْوَ ذَلِكَ.
لَيْسَ هَذَا الْقَوْلُ بِأَعْجَبَ مِنْ قَوْلِ النَّصَارَى الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّهُ هُوَ الْمَسِيحُ، وَأَنَّ اللَّاهُوتَ وَالنَّاسُوتَ اتَّحَدَا.

الصفحة 454