كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (اسم الجزء: 4)

فَنَحْنُ نَقُولُ أَيْضًا: إِنَّهُ حَلَّ فِي بَعْضِ الْأَجْسَادِ الْمَخْلُوقَةِ، كَمَا يَقُولُهُ النَّصَارَى.
أَوْ نَقُولُ: إِنَّهُ تَجَسَّدَ كَمَا تَتَجَسَّدُ الْمَلَائِكَةُ وَالْجِنُّ، وَهَذَا أَقْرَبُ مِنْ قَوْلِ النَّصَارَى: إِنَّهُ اتَّحَدَ بِجِسْمِ الْمَسِيحِ.
فَإِنَّا قَدْ عَهِدْنَا اللَّطَائِفَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ تَتَصَوَّرُ فِي صُورَةٍ بَشَرِيَّةٍ، وَلَمْ نَعْهَدْ مَلَكًا صَارَ هُوَ وَالْبَشَرُ شَيْئًا وَاحِدًا.
فَإِذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَّحِدَ الْمَلَكُ بِالْبَشَرِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَتَّحِدَ رَبُّ الْخَلَائِقِ كُلِّهِمْ بِالْبَشَرِ؟
قَالُوا: وَقَدْ يَحُلُّ الْجِنِّيُّ فِي بَدَنِ الْإِنْسِيِّ وَيَتَكَلَّمُ عَلَى لِسَانِهِ، إِلَّا أَنَّهُمَا جَوْهَرَانِ وَمَشِيئَتَانِ وَطَبِيعَتَانِ، لَيْسَ بَيْنَهُمَا اتِّحَادٌ، لَكِنَّهُ دَخَلَ فِيهِ وَتَكَلَّمَ عَلَى لِسَانِهِ.
وَالنَّصَارَى يَقُولُونَ: إِنَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ اتَّحَدَ بِالْبَشَرِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: جَوْهَرٌ وَاحِدٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: شَخْصٌ وَاحِدٌ وَأُقْنُومٌ وَاحِدٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: مَشِيئَةٌ وَاحِدَةٌ، فَلَابُدَّ لِكُلٍّ مِنْهُمْ مِنْ نَوْعِ اتِّحَادٍ، وَهَذَا أَبْعَدُ مِنْ حُلُولِ الْجِنِّيِّ فِي الْإِنْسِيِّ، فَإِذَا كَانَ مَا يَقُولُونَهُ مُمْتَنِعًا فِي الْجِنِّ وَالْمَلَائِكَةِ، فَكَيْفَ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ؟

الصفحة 455