كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (اسم الجزء: 4)

وَاحِدٌ، وَقَوْلُ النُّسْطُورِيَّةِ: هُمَا مَشِيئَةٌ وَاحِدَةٌ.
وَحِينَئِذٍ فَمَا قَالُوهُ مِنَ التَّعَدُّدِ الَّذِي يُوجِبُ الْمُبَايَنَةَ، وَأَنَّهُ لَا يَتَّصِفُ أَحَدُهُمَا بِمَا يَتَّصِفُ بِهِ الْآخَرُ، وَلَا يَحُلُّ بِهِ مَا حَلَّ بِهِ، فَيَكُونُ مُتَنَاقِضًا لِهَذَا.
فَأَحْسَنُ أَحْوَالِهِمْ أَنْ يَتَنَاقَضُوا فِي الِاتِّحَادِ، كَمَا تَنَاقَضُوا فِي التَّثْلِيثِ، وَهَذَا حَقِيقَةُ قَوْلِ خِيَارِ هَؤُلَاءِ يَتَكَلَّمُونَ بِالْكُفْرِ وَبِمَا يُنَاقِضُهُ، وَبِالتَّوْحِيدِ وَبِمَا يُنَاقِضُهُ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ بِنَفْسِهِ مِنْ نَدَمٍ وَبُكَاءٍ وَحُزْنٍ، هُوَ دُونَ مَا يَفْعَلُهُ أَعْدَاؤُهُ بِهِ مِنْ ضَرْبٍ وَصَفْعٍ وَجَعْلِ الشَّوْكِ عَلَى رَأْسِهِ، وَصَلْبِهِ بَيْنَ لِصَّيْنِ، وَأَنَّ اسْتِغَاثَتَهُ بِمَنْ يُخَلِّصُهُ مِنْ ذَلِكَ أَشَدُّ نَقْصًا مِنْ نَدَمِهِ وَحُزْنِهِ.
وَإِنْ قَالُوا: فَعَلَ هَذَا حَتَّى يُعَلِّمَ عِبَادَهُ التَّشَبُّهَ بِهِ - أَمْكَنَ أُولَئِكَ الْمُجَسِّمَةَ الْكَفَرَةَ أَنْ يَقُولُوا: بَكَى وَنَدِمَ وَعَضَّ يَدَهُ نَدَمًا حَتَّى جَرَى الدَّمُ، حَتَّى يُعَلِّمَ عِبَادَهُ التَّوْبَةَ مِنَ الذُّنُوبِ.
فَفِي الْجُمْلَةِ، مَا قَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ قَوْلًا فِي اللَّهِ، إِلَّا وَقَوْلُ النَّصَارَى أَقْبَحُ مِنْهُ.
وَلِهَذَا، كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ: لَا تَرْحَمُوهُمْ، فَلَقَدْ سَبُّوا اللَّهَ مَسَبَّةً مَا سَبَّهُ إِيَّاهَا أَحَدٌ مِنَ الْبَشَرِ، وَلِهَذَا يُعَظِّمُ اللَّهُ فِرْيَتَهُمْ

الصفحة 457