كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (اسم الجزء: 4)

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «مَا أَحَدٌ أَصْبَرَ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - إِنَّهُ يُشْرَكُ بِهِ وَيُجْعَلُ لَهُ نِدٌّ وَهُوَ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ وَيَدْفَعُ عَنْهُمْ» .)
الْوَجْهُ الثَّانِيَ عَشَرَ: أَنَّ كُلَّ مَنْ يَعْتَقِدُ فِي التَّجْسِيمِ مَا يَعْتَقِدُ، يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ كَمَا يَقُولُهُ النَّصَارَى، فَإِنَّ النَّصَارَى عَمَدُوا إِلَى مَا هُوَ جَسَدٌ مِنْ جِنْسِ سَائِرِ أَجْسَادِ بَنِي آدَمَ، قَالُوا: إِنَّهُ إِلَهٌ تَامٌّ وَإِنْسَانٌ تَامٌّ، وَلَيْسَ فِيهِ مِنَ الْإِلَهِيَّةِ شَيْءٌ، فَمَا بَقِيَ مَعَ هَذَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُعْتَقَدَ فِي نَظَائِرِهِ مَا يُعْتَقَدُ فِيهِ.
فَلَوْ قَالَ الْقَائِلُ: إِنَّ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ كَانَ هُوَ اللَّهُ، لَمْ يَكُنْ هَذَا أَبْعَدَ مِنْ قَوْلِ النَّصَارَى، فَإِنَّ مُعْجِزَاتِ مُوسَى كَانَتْ أَعْظَمَ وَانْتِصَارَهُ عَلَى عَدْوِهِ أَظْهَرَ، وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ إِلَهًا لِهَارُونَ وَلِفِرْعَوْنَ.
فَإِذَا قِيلَ فِيهِ مَا قَالُوهُ فِي الْمَسِيحِ: إِنَّهُ أَظْهَرَ الْمُعْجِزَ بِلَاهُوتِهِ، وَأَظْهَرَ الْعُبُودِيَّةَ بِنَاسُوتِهِ، لَمْ يَكُنْ بُطْلَانُ هَذَا أَظْهَرَ مِنْ بُطْلَانِ قَوْلِ النَّصَارَى، بَلْ مَتَى جَوَّزُوا اتِّحَادَ اللَّاهُوتِ بِالنَّاسُوتِ، لَمْ يُمْكِنْهُمْ دَفْعُ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ يُدَّعَى فِيهِ إِلَّا بِدَلِيلٍ خَاصٍّ، بَلْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ حَلَّ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْقَدَادِيسِ، لَمْ يُمْكِنْهُمْ نَفْيُ ذَلِكَ.
وَإِذَا قَالُوا: لَمْ يُخْبِرْ بِذَلِكَ أَحَدٌ، وَلَمْ يُبَشِّرْ بِهِ نَبِيٌّ، أَوْ هَذَا غَيْرُ مَعْلُومٍ.

الصفحة 459