كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (اسم الجزء: 4)

وَإِنَّمَا يُقَالُ: إِنْ قِيلَ فِيمَا لَيْسَ بِقَائِمٍ بِهَا، بَلْ قَائِمٌ بِغَيْرِهَا، أَوْ فِيمَا هُوَ حَادِثٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، كَالشُّعَاعِ الْقَائِمِ بِالْأَرْضِ وَالْحِيطَانِ، وَهَذَا لَيْسَ بِقَائِمٍ بِهَا، بَلْ قَائِمٌ بِغَيْرِهَا، هُوَ حَادِثٌ مُتَوَلِّدٌ عَنْ أَصْلَيْنِ لَا عَنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ.
فَأَمَّا صِفَاتُ الْمَخْلُوقِ الْقَائِمَةُ بِهِ اللَّازِمَةُ لَهُ، فَلَا يَقُولُ أَحَدٌ مِنَ الْعُقَلَاءِ: إِنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ عَنْهُ.
وَالنَّصَارَى يَزْعُمُونَ أَنَّ كَلِمَةَ اللَّهِ الَّتِي يُفَسِّرُونَهَا بِعِلْمِهِ أَوْ حِكْمَتِهِ، وَرُوحَ الْقُدُسِ الَّتِي يُفَسِّرُونَهَا بِحَيَاتِهِ وَقُدْرَتِهِ - هِيَ صِفَةٌ لَهُ قَدِيمَةٌ أَزَلِيَّةٌ، لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ مَوْصُوفًا بِهَا.
وَيَقُولُونَ - مَعَ ذَلِكَ -: إِنَّ الْكَلِمَةَ هِيَ مَوْلُودَةٌ مِنْهُ، فَيَجْعَلُونَ عِلْمَهُ الْقَدِيمَ الْأَزَلِيَّ مُتَوَلِّدًا عَنْهُ، وَلَا يَجْعَلُونَ حَيَاتَهُ الْقَدِيمَةَ الْأَزَلِيَّةَ مُتَوَلِّدَةً عَنْهُ.
وَقَدْ أَصَابُوا فِي أَنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوا حَيَاتَهُ مُتَوَلِّدَةً عَنْهُ، لَكِنْ ظَهَرَ بِذَلِكَ بَعْضُ مُنَاقَضَاتِهِمْ وَضَلَالِهِمْ، فَإِنَّهُ أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ، فَإِنَّهُ إِنْ كَانَتْ صِفَةُ الْمَوْصُوفِ الْقَدِيمَةُ اللَّازِمَةُ لِذَاتِهِ يُقَالُ: إِنَّهَا ابْنُهُ وَوَلَدُهُ وَمُتَوَلِّدٌ عَنْهُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَتَكُونُ حَيَاتُهُ أَيْضًا ابْنَهُ وَوَلَدَهُ وَمُتَوَلِّدًا عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، فَلَا يَكُونُ عِلْمُهُ ابْنَهُ وَلَا وَلَدَهُ وَلَا مُتَوَلِّدًا عَنْهُ.
وَأَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ رُوحَ الْقُدُسِ الْمُنْفَصِلَةَ عَنْهُ الْقَائِمَةَ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالصَّدِيقَيْنِ، يَقُولُونَ إِنَّهَا وَلَدُهُ وَلَا إِنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ عَنْهُ، بَلْ يَخُصُّونَ

الصفحة 470