كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (اسم الجزء: 4)

ذَلِكَ بِالْكَلِمَةِ، فَلَا يَنْقُلُونَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَنَّهُ سَمَّى شَيْئًا مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ ابْنًا وَلَا وَلَدًا، وَلَا قَالَ: إِنَّ عِلْمَ اللَّهِ أَوْ كَلَامَهُ أَوْ حِكْمَتَهُ وَلَدُهُ أَوِ ابْنُهُ، أَوْ هُوَ مُتَوَلِّدٌ عَنْهُ.
فَعُلِمَ أَنَّ الْقَوْمَ فِي غَايَةِ التَّنَاقُضِ فِي الْمَعَانِي وَالْأَلْفَاظِ، وَأَنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لِلْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ كُلِّهَا، وَلِمَا فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ عِبَادَهُ مِنَ الْمَعْقُولَاتِ الَّتِي يُسَمُّونَهَا نَوَامِيسَ عَقْلِيَّةً، وَمُخَالِفُونَ لِجَمِيعِ لُغَاتِ الْآدَمِيِّينَ، وَهَذَا مِمَّا يَظْهَرُ بِهِ فَسَادُ تَمْثِيلِهِمْ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: تَوَلَّدَتِ الْكَلِمَةُ عَنْهُ، كَمَا تُوَلَّدُ الْكَلِمَةُ وَالْحِكْمَةُ فِينَا عَنِ الْعَقْلِ.
فَيُقَالُ لَهُمْ: لَوْ قُدِّرَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ سَمَّوْا ذَلِكَ تَوَلُّدًا، فَمَا يَتَوَلَّدُ فِينَا حَادِثٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَحُدُوثُهُ يَتَسَبَّبُ مِنْ فِعْلِنَا وَقُدْرَتِنَا وَمَشِيئَتِنَا.
فَأَمَّا صِفَاتُنَا اللَّازِمَةُ لَنَا، الَّتِي لَا اخْتِيَارَ لَنَا فِي اتِّصَافِنَا بِهَا، وَلَمْ نَزَلْ مُتَّصِفِينَ بِهَا، فَلَا يَقُولُ عَاقِلٌ: إِنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ فِينَا وَعَنَّا.
وَأَنْتُمْ تَجْعَلُونَ صِفَةَ اللَّهِ الْقَدِيمَةَ اللَّازِمَةَ لَهُ الَّتِي لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ مُتَّصِفًا بِهَا، مُتَوَلِّدَةً عَنْهُ.
فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنَ التَّوَلُّدِ الْعَقْلِيِّ أَمْرٌ مَعْرُوفٌ فِي اللُّغَةِ وَالْعَقْلِ وَالشَّرْعِ، لَمْ يَكُنْ لَكُمْ أَنْ تَجْعَلُوا عِلْمَ اللَّهِ وَحِكْمَتَهُ الَّتِي فَسَّرْتُمْ بِهَا كَلِمَتَهُ ابْنًا لَهُ وَمَوْلُودًا مِنْهُ، لَمْ يَزَلْ مَوْلُودًا مِنْهُ ; لِأَنَّ هَذَا بَاطِلٌ عَقْلًا وَشَرْعًا وَلُغَةً.
أَمَّا الْعَقْلُ، فَإِنَّ صِفَةَ الْمَوْصُوفِ اللَّازِمَةَ لَهُ - وَإِنْ كَانَ مَخْلُوقًا -

الصفحة 471