كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (اسم الجزء: 4)

وَأَمَّا تَسْمِيَةُ شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ ابْنًا أَوْ وَلَدًا، فَهَذَا لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَا الْأُمَمِ أَهْلِ اللُّغَاتِ سِوَى مُبْتَدَعَةِ النَّصَارَى. وَلَمْ يَبْقَ لِلتَّوَلُّدِ إِلَّا مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَنْفَصِلَ عَنْهُ جُزْءٌ، وَالثَّانِي: أَنْ يَحْدُثَ عَنْهُ شَيْءٌ، إِمَّا بِاخْتِيَارِهِ، وَإِمَّا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَقُدْرَتِهِ، كَحُدُوثِ الشُّعَاعِ عَنِ النَّارِ وَالشَّمْسِ.
وَكُلٌّ مِنَ الْأَمْرَيْنِ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ أَصْلَيْنِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ حَادِثًا، لَا يَكُونَ مِنْ صِفَاتِهِ اللَّازِمَةِ لَهُ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَتَوَلَّدَ عَنْهُ شَيْءٌ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَصْلٌ آخَرُ يَتَوَلَّدُ عَنْهُمَا.
وَالتَّوَلُّدُ عَنْهُ بِغَيْرِ قُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، مُمْتَنِعٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمِلَلِ، الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَسَائِرِ الْأُمَمِ، سِوَى طَائِفَةٍ مِنَ الْمُتَفَلْسِفَةِ يَقُولُونَ: إِنَّهُ مُوجِبٌ بِذَاتِهِ مُسْتَلْزِمًا لِمَا يَصْدُرُ عَنْهُ، فَهَؤُلَاءِ قَوْلُهُمْ يُنَاسِبُ هَذَا التَّوَلُّدَ.
وَالنَّصَارَى تُكَفِّرُ هَؤُلَاءِ، لَكِنْ قَدْ ضَاهَوْهُمْ فِي الْقَوْلِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة: 30] .
وَهَذَا قَالَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْيَهُودِ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ عَنْ شَخْصٍ يُقَالُ لَهُ فِنْحَاصُ بْنُ عَازُورَا وَأَتْبَاعِهِ.

الصفحة 475