كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (اسم الجزء: 4)
وَبَعْضُ عُلَمَائِهِمْ، وَإِنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ، لَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ وَيُشَبِّهُونَهُ بِالشُّعَاعِ مِنَ الشَّمْسِ، وَيَقُولُونَ عَنِ الرُّوحِ: هُوَ مُنْبَثِقٌ مِنَ اللَّهِ خَارِجٌ مِنْهُ.
وَهَذَا كُلُّهُ يُنَاسِبُ الْوِلَادَةَ الَّتِي هِيَ خُرُوجُ شَيْءٍ مِنْهُ، أَوْ حُدُوثُ شَيْءٍ عَنْهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَلَا بُدَّ لَهُ - مَعَ ذَلِكَ - مِنْ مَحَلٍّ يَقُومُ بِهِ، فَإِنَّ الشُّعَاعَ لَا يَقُومُ إِلَّا بِالْأَرْضِ.
وَالْأَمْرُ الْمُنْبَثِقُ الْخَارِجُ مِنْ غَيْرِهِ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ جَوْهَرًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ، أَوْ صِفَةً قَائِمَةً بِغَيْرِهَا.
فَإِنْ كَانَ جَوْهَرًا، فَقَدِ انْفَصَلَ مِنَ الرَّبِّ جُزْءٌ.
وَإِنْ كَانَ عَرَضًا، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَحَلٍّ، فَيَكُونَ مُتَوَلِّدًا عَنْ أَصْلَيْنِ.
وَتَشْبِيهُهُمْ بِتَوَلُّدِ الْكَلَامِ عَنِ الْعَقْلِ تَشْبِيهٌ بَاطِلٌ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَحْصُلُ بِقُدْرَةِ الْإِنْسَانِ وَمَشِيئَتِهِ، وَهُوَ حَادِثٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ.
هَذَا إِذَا عُرِفَ أَنَّ مَا يَقُومُ بِقَلْبِ الْإِنْسَانِ مِنْ عِلْمٍ وَحِكْمَةٍ، يُقَالُ: إِنَّهُ يَتَوَلَّدُ عَنْهُ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ ابْنُهُ، مَعَ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي اللُّغَاتِ، وَلَوْ كَانَ مَعْرُوفًا فِي لُغَةِ بَعْضِ الْأُمَمِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُفَسَّرَ بِهِ كَلَامُ الْأَنْبِيَاءِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا فِي لُغَتِهِمْ.
وَأَمَّا مَا يَدَّعُونَهُ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ الْكَلِمَةَ لَازِمَةٌ لِذَاتِ اللَّهِ أَزَلًا وَأَبَدًا، وَهِيَ مَوْلُودَةٌ مِنْهُ، مَعَ أَنَّهَا غَيْرُ مَصْنُوعَةٍ، فَهَذَا كَلَامٌ مُتَنَاقِضٌ بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ.
الصفحة 477
502