كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (اسم الجزء: 4)
وَأَمَّا الْبَحْثُ الْعَقْلِيُّ فِي هَذَا، فَقَدْ بَسَطْنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَبَيَّنَّا أَنَّ مَا يُسَمِّيهِ هَؤُلَاءِ الْمُتَفَلْسِفَةُ تَرْكِيبًا، كَقَوْلِهِمْ: إِنَّ الشَّيْءَ مُرَكَّبٌ مِنْ وُجُودٍ وَمَاهِيَّةٍ، وَقَوْلِهِمْ: إِنَّ الْأَنْوَاعَ مُرَكَّبَةٌ مِنَ الْأَجْنَاسِ وَالْفُصُولِ، هُوَ بَاطِلٌ عِنْدَ جَمِيعِ جُمْهُورِ الْعُقَلَاءِ.
وَلَيْسَ فِي الْخَارِجِ إِلَّا ذَاتٌ مُتَّصِفَةٌ بِصِفَاتٍ، لَيْسَ فِي الْخَارِجِ وُجُودُ الْقَائِمِ بِنَفْسِهِ، وَمَاهِيَّةٌ أُخْرَى غَيْرَ هَذَا الشَّيْءِ الْمَوْجُودِ الْقَائِمِ بِنَفْسِهِ مَثَلًا.
وَلَكِنْ قَدْ يُعْنَى بِلَفْظِ " مَاهِيَّةٍ " مَا يُتَصَوَّرُ فِي الْأَذْهَانِ، وَبِالْوُجُودِ مَا يُوجَدُ فِي الْأَعْيَانِ، وَحِينَئِذٍ فَهَذِهِ الْمَاهِيَّةُ غَيْرُ هَذَا الْمَوْجُودِ، وَحِينَئِذٍ فَيُقَالُ: هَذِهِ الْمَاهِيَّةُ غَيْرُ هَذَا الْوُجُودِ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: إِنَّ الْإِنْسَانَ الْمَوْجُودَ فِي الْخَارِجِ مُرَكَّبٌ مِنَ الْجِنْسِ وَالْفَصْلِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ الْمَوْجُودَ هُوَ ذَاتٌ مُتَّصِفَةٌ بِصِفَاتٍ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ.
وَلَكِنْ يُتَصَوَّرُ فِي الذِّهْنِ مَا هُوَ مُرَكَّبٌ مِنَ الْحَيَوَانِ وَالنَّاطِقِ، كَمَا يُتَصَوَّرُ مَا هُوَ مُرَكَّبٌ مِنَ الْحَيَوَانِ وَالضَّاحِكِ، وَهَذَا تَرْكِيبٌ ذِهْنِيٌّ لَا تَرْكِيبٌ فِي الْخَارِجِ، وَقَدْ بُسِطَ هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَتَبَيَّنَ أَنَّ مَا جَعَلُوهُ مِنَ الصِّفَاتِ دَاخِلًا فِي الْمَاهِيَّةِ، وَمَا جَعَلُوهُ خَارِجًا عَنْهَا لَازِمًا لَهَا، وَمَا هُوَ مَجْمُوعُ أَجْزَاءِ الْمَاهِيَّةِ، يَرْجِعُ عِنْدَ التَّحْقِيقِ إِلَى مَا هُوَ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ بِالتَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ وَالْمُطَابَقَةِ.
الصفحة 480
502