كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (اسم الجزء: 4)

وَمَا ذَكَرَهُ مِنَ التَّقَدُّمِ وَالسَّبْقِ وَالتَّأَخُّرِ بِغَيْرِ الزَّمَانِ، أَمْرٌ غَيْرُ مَوْجُودٍ وَلَا مَعْقُولٍ وَلَا يُعْرَفُ فِي الْوُجُودِ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا، وَكَانَ عِلَّةً فَاعِلَةً لَهُ إِلَّا وَهُوَ مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهِ سَابِقٌ لَهُ، لَيْسَ مُقَارِنًا لَهُ فِي الزَّمَانِ أَلْبَتَّةَ، بَلْ مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهِ تَقَدُّمًا زَمَانِيًّا.
وَكُلُّ مَنْ يُعْرَفُ أَنَّهُ سَبَبٌ أَوْ عِلَّةٌ فَاعِلَةٌ، فَإِنَّهُ مُتَقَدِّمٌ عَلَى مُسَبِّبِهِ وَمَعْلُولِهِ، لَكِنْ قَدْ يَكُونُ مُتَّصِلًا بِهِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا زَمَانٌ آخَرُ.
فَيُقَالُ: لَيْسَ هَذَا مُتَأَخِّرًا عَنْ هَذَا ; أَيْ هُوَ مُتَّصِلٌ بِهِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا فَصْلٌ.
وَيُقَالُ: لَيْسَ ذَلِكَ مُتَقَدِّمًا عَلَى هَذَا ; أَيْ لَيْسَ بَيْنَهُمَا زَمَانٌ، بَلْ هُوَ مُتَّصِلٌ بِهِ، إِذْ قَدْ يُرَادُ بِلَفْظِ التَّقَدُّمِ هَذَا، كَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «الْجِنَازَةُ مَتْبُوعَةٌ، وَلَيْسَتْ بِتَابِعَةٍ، لَيْسَ مِنْهَا مَنْ تَقَدَّمَهَا» ) ; أَيْ مَنْ كَانَ قَدْ تَقَدَّمَهَا، حَتَّى لَمْ يَكُنْ قَرِيبًا مِنْهَا، لَمْ يَكُنْ تَابِعًا لَهَا، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: ( «الرَّاكِبُ خَلْفَ الْجِنَازَةِ، وَالْمَاشِي أَمَامَهَا وَوَرَاءَهَا، وَعَنْ يَمِينِهَا وَيَسَارِهَا، قَرِيبًا مِنْهَا» ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ أَبْيَنُ حَدِيثٍ

الصفحة 484