كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (اسم الجزء: 4)

رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ فِي هَذَا الْحُكْمِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} [يس: 40] أَيْ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ، بِحَيْثُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا انْفِصَالٌ، بَلْ كُلٌ مِنْهُمَا مُتَّصِلٌ بِالْآخَرِ.
وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ مَعْرِفَةَ اللُّغَةِ الَّتِي خَاطَبَنَا بِهَا الْأَنْبِيَاءُ وَحُمِلَ كَلَامُهُمْ عَلَيْهَا - أَمْرٌ وَاجِبٌ مُتَعَيِّنٌ، وَمَنْ سَلَكَ غَيْرَ هَذَا الْمَسْلَكِ، فَقَدْ حَرَّفَ كَلَامَهُمْ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَكَذَبَ عَلَيْهِمْ وَافْتَرَى.
وَمِثْلُ هَذَا التَّحْرِيفِ وَالتَّبْدِيلِ قَدِ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى عَلَى أَنَّهُ وَقَعَ فِيهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكُتُبِ الثَّلَاثَةِ، وَأَنَّ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ حُرِّفَا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَكَذَلِكَ الْقُرْآنُ حَرَّفَهُ أَهْلُ الْإِلْحَادِ وَالْبِدَعِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ.
فَأَهْلُ الْكِتَابِ نَقَلُوا عَنِ الْأَنْبِيَاءِ أَنَّهُمْ تَكَلَّمُوا بِلَفْظِ الْأَبِ وَالِابْنِ وَمُرَادُهُمْ - عِنْدَهُمْ - بِالْأَبِ: الرَّبُّ، وَبِالِابْنِ: الْمُصْطَفَى الْمُخْتَارُ الْمَحْبُوبُ.
وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ أَنَّهُمْ سَمَّوْا شَيْئًا مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ ابْنًا، وَلَا قَالُوا عَنْ شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِهِ: إِنَّهُ تَوَلَّدَ عَنْهُ، وَلَا إِنَّهُ مَوْلُودٌ لَهُ.
فَإِذَا وُجِدَ فِي كَلَامِ الْمَسِيحِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: (عَمِّدُوا النَّاسَ بِاسْمِ الْأَبِ وَالِابْنِ وَرُوحِ الْقُدُسِ) ثُمَّ فَسَّرُوا الِابْنَ بِصِفَةِ اللَّهِ

الصفحة 485