كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (اسم الجزء: 4)
الْحَقُّ، وَبَطَلَ قَوْلُهُمْ لَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ: رُوحُ الْقُدُسِ هُوَ الْأُقْنُومُ الثَّالِثُ، كَمَا يَقُولُونَ فِي الْكَلِمَةِ وَهُوَ اللَّاهُوتُ عِنْدَهُمْ.
فَهُمْ قَدْ ذَكَرُوا أَنَّهُ تَجَسَّدَ مِنَ النَّاسُوتِ وَاللَّاهُوتِ، فَيَلْزَمُهُمْ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ الْمَسِيحُ هُوَ الِابْنُ، وَهُوَ رُوحُ الْقُدُسِ، فَيَكُونَ أُقْنُومَيْنِ، لَا أُقْنُومًا وَاحِدًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَنَاقُضُهُمْ فِي هَذَا.
وَالْمَقْصُودُ هُنَا، أَنَّهُمْ إِذَا قَالُوا: إِنَّ الرَّبَّ أَوْ بَعْضَ صِفَاتِهِ اتَّحَدَ بِمَا خَلَقَ مِنْ مَرْيَمَ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ اتِّصَالٌ بِمَرْيَمَ قَبْلَ اتِّصَالِهِ بِمَا خَلَقَ مِنْهَا، وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى النِّكَاحِ وَالِازْدِوَاجِ.
وَعِنْدَ جُمْهُورِ النَّصَارَى أَنَّ مَرْيَمَ وَلَدَتِ اللَّاهُوتَ كَمَا وَلَدَتِ النَّاسُوتَ، وَهِيَ أُمُّ اللَّاهُوتِ، وَيَقُولُونَ فِي دُعَائِهِمْ: يَا وَالِدَةَ الْإِلَهِ.
وَاللَّاهُوتُ الَّذِي وَلَدَتْهُ مَرْيَمُ هُوَ - عِنْدَهُمْ - رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَاللَّاهُوتُ اتَّحَدَ بِالنَّاسُوتِ عِنْدَهُمْ، مِنْ حِينِ خَلْقِ النَّاسُوتِ فِي بَطْنِ مَرْيَمَ، لَمْ يَحْدُثْ بَعْدَ الْوِلَادَةِ.
فَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ عِنْدَهُمْ أُمٌّ وَلَدَتْهُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، فَإِمْكَانُ أَنْ يَكُونَ لَهُ صَاحِبَةٌ وَزَوْجَةٌ أَوْلَى وَأَحْرَى، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يُحِيلُهُ الْعَقْلُ وَالشَّرْعُ إِلَّا وَهُوَ لِكَوْنِهَا أُمًّا لِلَّاهُوتِ أَشَدَّ إِحَالَةً.
فَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ لِلَّاهُوتِ أُمٌّ وَالْأُمُّ أَصْلٌ، فَلَأَنْ يَكُونَ لَهُ صَاحِبَةٌ هِيَ زَوْجَةٌ وَنَظِيرٌ - أَقْرَبُ وَأَوْلَى، فَإِنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ وَلَدَ ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَهُوَ الْمُتَفَرِّعُ الْمُتَوَلِّدُ عَنْهُ، أَنْقَصُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ مِنْ نَظِيرِهِ.
فَإِذَا قَالُوا: إِنَّ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَلَدًا اتَّحَدَ بِالنَّاسُوتِ هُوَ نَظِيرُهُ الْمُسَاوِي لَهُ فِي الْجَوْهَرِ، وَقَالُوا: إِنَّ النَّاسُوتَ أُمُّ هَذَا الْمَسِيحِ الَّذِي
الصفحة 488
502