كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (اسم الجزء: 4)

بَلْ كَانُوا ضُلَّالًا جُهَّالًا، بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ الْأَنْبِيَاءُ فَإِنَّهُ حَقٌّ، فَلِهَذَا لَا يُوجَدُ عَنِ الْمَسِيحِ وَلَا غَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مَا يُوَافِقُ قَوْلَهُمْ فِي التَّثْلِيثِ وَالْأَقَانِيمِ وَالِاتِّحَادِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا ابْتَدَعُوهُ بِغَيْرِ سَمْعٍ وَعَقْلٍ، بَلْ أَلْقَوْا أَقْوَالًا مُخَالِفَةً لِلشَّرْعِ وَالْعَقْلِ.
ثُمَّ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ أَيُّوبَ: ثُمَّ وَجَدْنَا النَّصَارَى الْمَعْرُوفِينَ بِالنَّسْطُورِيَّةِ قَدْ خَالَفُوا الْيَعْقُوبِيَّةَ وَالْمَلِكَانِيَّةَ فِي قَوْلِهِمْ بِشَخْصَيْنِ لَهُمَا مَشِيئَةٌ وَاحِدَةٌ، وَأَنَّ الطَّبِيعَتَيْنِ اتَّحَدَتَا فَصَارَتَا بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ عَادُوا إِلَى شَبِيهِ قَوْلِهِمْ فِي أَنَّ مَرْيَمَ وَلَدَتِ الْمَسِيحَ، فَإِذَا كَانَتْ وَلَدَتِ الْمَسِيحَ فَقَدْ لَزِمَهُمْ وَوَجَبَ عَلَيْهِمُ الْإِقْرَارُ بِأَنَّهَا وَلَدَتْ هَذَا اللَّاهُوتَ وَالنَّاسُوتَ الْمُتَّحِدَيْنِ.
وَقَدْ رَجَعَ الْمَعْنَى إِلَى قَوْلِ الْيَعْقُوبِيَّةِ، إِلَّا أَنَّهُمُ اخْتَارُوا لِذَلِكَ أَلْفَاظًا زَوَّقُوهَا وَقَدَرُوا بِهَا التَّمْوِيِهَ عَلَى السَّامِعِ، وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِالْقَوْلِ كَتَصْرِيحِ الْيَعْقُوبِيَّةِ ; لِأَنَّ الْمُتَّحِدَ بِالشَّيْءِ هُوَ الْمُمَازِجُ لَهُ وَالْمُجْتَمِعُ مَعَهُ حَتَّى صَارَ مَازِجُهُ وَهُوَ شَيْئًا وَاحِدًا، ثُمَّ أَكَّدُوا الْقَوْلَ بِإِقْرَارِهِمْ أَنَّ النَّاسُوتَ مُنْذُ اتَّحَدَ بِاللَّاهُوتِ لَمْ يُفَارِقْهُ، فَمَا لَمْ يُفَارِقِ الشَّيْءَ هَلْ هُوَ إِلَّا يَجْرِي مَجْرَاهُ فِي سَائِرِ مُتَفَرَّقَاتِهِ مِنْ ضُرٍّ وَنَفْعٍ، وَخَيْرٍ وَشَرٍّ، وَحَاجَةٍ وَغِنًى؟
قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّ مَرْيَمَ وَلَدَتِ الْمَسِيحَ بِنَاسُوُتِهِ فَهَذِهِ أُغْلُوطَةٌ، وَإِلَّا فَكَيْفَ يُولَدُ وَلَدٌ مُتَحِدٍّ بِشَيْءٍ آخَرَ مُجَامِعٌ لَهُ دُونَ ذَلِكَ الشَّيْءِ؟ وَكَيْفَ يَكُونُ ذَاكَ وَهُمْ يَقُولُونَ إِنَّهُ لَمْ يُفَارِقْهُ قَطُّ؟ وَهَلْ يَصِحُّ

الصفحة 96