كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (اسم الجزء: 4)
قَالَ: فَهَلْ فِي هَذَا الْإِقْرَارِ شُبْهَةٌ أَوْ عَلَقَةٌ يَتَعَلَّقُ بِهَا الْعَنِتُ الْمُدَافِعُ عَنِ الْحُجَّةِ؟ فَتَدَبَّرُوا هَذَا الْقَوْلَ يَا مَعْشَرَ النَّصَارَى، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَحَدٌ مِنْكُمْ أَنْ يَخْرُجَ عَنْهُ، وَلَا أَنْ يَدْفَعَ مَا صَرَّحَ بِهِ، فَإِنَّكُمْ إِنْ قُلْتُمْ: إِنَّ الْمَقْتُولَ الْمَصْلُوبَ هُوَ اللَّهُ، فَمَرْيَمُ عَلَى قَوْلِكُمْ وَلَدَتِ اللَّهَ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ، وَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّهُ إِنْسَانٌ فَمَرْيَمُ وَلَدَتْ إِنْسَانًا، وَفِي ذَلِكَ أَجْمَعَ بُطْلَانُ شَرِيعَةِ إِيمَانِكُمْ، فَاخْتَارُوا أَيَّ الْقَوْلَيْنِ شِئْتُمْ، فَإِنَّ فِيهِ نَقْضَ الدِّينِ.
قَالَ: وَقَدْ يَجِبُ عَلَى ذَوِي الْعُقُولِ أَنْ تَزْجُرَهُمْ عُقُولُهُمْ عَنْ عِبَادَةِ إِلَهٍ وَلَدَتْهُ مَرْيَمُ، وَهِيَ امْرَأَةٌ آدَمِيَّةٌ، ثُمَّ مَكَثَ عَلَى الْأَرْضِ ثَلَاثِينَ سَنَةً تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْآدَمِيِّينَ مِنْ غِذَاءٍ وَتَرْبِيَةٍ، وَصِحَّةٍ وَسَقَمٍ، وَخَوْفٍ وَأَمْنٍ، وَتَعَلُّمٍ وَتَعْلِيمٍ، لَا يَتَهَيَّأُ لَكُمْ أَنْ تَدَّعُوا أَنَّهُ كَانَ مِنْهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ مِنْ أَسْبَابِ اللَّاهُوتِيَّةِ شَيْءٌ، وَلَا لَهُ مِنْ أَحْوَالِ الْآدَمِيِّينَ كُلِّهَا مِنْ حَاجَتِهِمْ وَضَرُورَاتِهِمْ وَهُمُومِهِمْ وَمِحَنِهِمْ وَتَصَرُّفَاتِهِمْ مَخْرَجٌ، ثُمَّ أَحْدَثَ بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ مَا أَحْدَثَهُ مِنْ إِظْهَارِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالنُّبُوَّاتِ وَالْآيَاتِ الْبَاهِرَةِ الْمُعْجِزَةِ بِقُوَّةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مِثْلُهَا وَمَا هُوَ أَعْلَى مِنْهَا، فَكَانَتْ مُدَّتُهُ فِي ذَلِكَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ، ثُمَّ انْقَضَى أَمْرُهُ بِمَا يَصِفُونَ أَنَّهُ انْقَضَى بِهِ وَيَنْسُبُونَهُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْسٍ وَضَرْبٍ وَقَذْفٍ، وَصَلْبٍ وَقَتْلٍ، فَهَلْ تَقْبَلُ الْعُقُولَ مَا يَقُولُونَ مِنْ
الصفحة 99