كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (اسم الجزء: 5)

أَمْكَنَهُمْ تَصَوُّرُ الذَّاتِ بِدُونِ صِفَةٍ قَالُوا: هَذِهِ زَائِدَةٌ، وَإِلَّا قَالُوا لَيْسَتْ زَائِدَةً. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهَا زَائِدَةٌ عَلَى مَا تَصَوَّرُوهُ هُمْ مِنَ الذَّاتِ، لَا أَنَّهُ فِي الْخَارِجِ ذَاتٌ مُجَرَّدَةٌ عَنْ تِلْكَ الصِّفَةِ، وَصِفَةٌ زَائِدَةٌ عَلَيْهَا، بَلْ لَيْسَ إِلَّا الذَّاتُ الْمُتَّصِفَةُ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ.
وَلَكِنْ يَجِبُ الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الصِّفَاتِ غَيْرُ الذَّاتِ، وَبَيْنَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهَا غَيْرُ اللَّهِ؛ فَإِنَّ اسْمَ (اللَّهِ) مُتَنَاوِلٌ لِذَاتِهِ الْمُتَّصِفَةِ بِصِفَاتِهِ. فَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ: دَعَوْتُ اللَّهَ وَعَبَدْتُ اللَّهَ؛ فَلَمْ يَدْعُ ذَاتًا مُجَرَّدَةً وَلَا صِفَاتٍ مُجَرَّدَةً، بَلْ دَعَا الذَّاتَ الْمُتَّصِفَةَ بِصِفَاتِهَا فَاسْمُهُ - تَعَالَى - يَتَنَاوَلُ ذَلِكَ. فَلَيْسَتْ صِفَاتُهُ خَارِجَةً عَنْ مُسَمَّى اسْمِهِ وَلَا زَائِدَةً عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ قِيلَ إِنَّهَا زَائِدَةٌ عَلَى الذَّاتِ الْمُجَرَّدَةِ. وَمَنْ ظَنَّ أَنَّهَا زَائِدَةٌ عَلَى الذَّاتِ الْمُتَّصِفَةِ بِصِفَاتِهَا الَّتِي تَدْخُلُ صِفَاتُهَا فِي مُسَمَّاهَا، فَقَدْ غَلِطَ وَلَكِنْ فِي الْأَذْهَانِ وَالْأَلْسِنَةِ زَلَقٌ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَثِيرًا.
فَإِذَا قِيلَ: الصِّفَاتُ مُغَايِرَةٌ لِلذَّاتِ، لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا مِنَ الْمَحْذُورِ مَا فِي قَوْلِنَا: إِنَّ صِفَاتِ اللَّهِ غَيْرُ اللَّهِ؛ فَإِنَّ اسْمَ اللَّهِ يَتَنَاوَلُ صِفَاتِهِ.
فَإِذَا قِيلَ: إِنَّهَا غَيْرُهُ؛ فُهِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا مُبَايِنَةٌ لَهُ وَهَذَا بَاطِلٌ. وَلِهَذَا كَانَ النُّفَاةُ إِذَا نَاظَرُوا أَئِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا نَاظَرُوا الْإِمَامَ

الصفحة 17