كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (اسم الجزء: 5)

وَإِنْ عَنَوْا بِلَفْظِ الْعَرَضِ شَيْئًا آخَرَ، لَمْ يَنْفَعْهُمْ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْمُتَكَلِّمِينَ الَّذِينَ قَالُوا: " الْجَوْهَرُ هُوَ مَا يَشْغَلُ حَيِّزًا وَيَقْبَلُ عَرَضًا " إِنَّمَا أَرَادُوا بِالْعَرَضِ مَا يَقُومُ بِغَيْرِهِ مِنَ الْمَعَانِي، سَوَاءٌ كَانَ لَازِمًا لَهُ أَوْ عَارِضًا لَهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ جَوْهَرٍ فَإِنَّهُ يَقُومُ بِهِ الْمَعَانِي. وَالْخَالِقُ - تَعَالَى - عِنْدَهُمْ يَقُومُ بِهِ الْحَيَاءُ وَالْعِلْمُ، فَإِذَا كَانَ الْخَالِقُ - تَعَالَى - يَقُومُ بِهِ الْمَعَانِي - وَهُمْ يُسَمُّونَهُ جَوْهَرًا - فَكَيْفَ لَا تَقُومُ الْمَعَانِي بِغَيْرِهِ.
وَهَؤُلَاءِ يُثْبِتُونَ جَوْهَرًا لَطِيفًا لَا تَقُومُ بِهِ الْأَعْرَاضُ، مَعَ قَوْلِهِمْ: " إِنَّهُ تَقُومُ بِهِ الْمَعَانِي " وَهَذَا اصْطِلَاحٌ لَهُمْ لَا يُوَافِقُهُمْ عَلَيْهِ أَحَدٌ. ثُمَّ يَتَنَاقَضُونَ فَيَقُولُونَ: " الْمَوْجُودُ إِمَّا جَوْهَرٌ وَإِمَّا عَرَضٌ " وَهَذَا تَنَاقُضٌ.
وَنُظَّارُ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ فِي تَسْمِيَةِ صِفَاتِ اللَّهِ الْقَائِمَةِ بِهِ أَعْرَاضًا نِزَاعٌ: بَعْضُهُمْ يُسَمِّيهَا أَعْرَاضًا، وَبَعْضُهُمْ يُنْكِرُ هَذِهِ التَّسْمِيَةَ، مَعَ اتِّفَاقِ هَاتَيْنِ الطَّائِفَتَيْنِ عَلَى قِيَامِ الصِّفَاتِ بِهِ. وَجُمْهُورُ نُظَّارِ الْمُسْلِمِينَ

الصفحة 47