كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (اسم الجزء: 5)
سُورَةُ النِّعَمِ، فِي أَوَّلِهَا أُصُولُ النِّعَمِ، وَفِي أَثْنَائِهَا كَمَالُ النِّعَمِ.
وَالنَّوْعُ الثَّانِي: النِّعَمُ الَّتِي تَحْصُلُ بِهَا مِنْ كَمَالِ النِّعَمِ وَعُلُوِّ الدَّرَجَةِ مَا لَا يَحْصُلُ بِدُونِهَا، كَمَا أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ نَوْعَانِ: أَبْرَارٌ أَصْحَابُ يَمِينٍ، وَمُقَرَّبُونَ سَابِقُونَ. وَمَنْ خَرَجَ عَنْ هَذَيْنِ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ.
وَإِذَا كَانَتِ النِّعْمَةُ نَوْعَيْنِ، فَالْخَلْقُ كَانُوا مُحْتَاجِينَ إِلَى إِرْسَالِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ، وَحَصَلَ بِإِرْسَالِهِ هَذَانِ النَّوْعَانِ مِنَ النِّعْمَةِ، فَإِنَّ النَّاسَ بِدُونِهِ كَانُوا جُهَّالًا ضَالِّينَ أُمِّيِّينَ، وَأَهْلُ الْكِتَابِ مِنْهُمْ.
وَلَمْ يَكُنْ قَدْ بَقِيَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ - أَتْبَاعِ الْمَسِيحِ - مَنْ هُوَ قَائِمٌ بِالدَّيْنِ الَّذِي يُوجِبُ السَّعَادَةَ عِنْدَ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ، بَلْ كَانُوا قَدْ بَدَّلُوا وَغَيَّرُوا. وَأَيْضًا فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُمْ لَمْ يُبَدِّلُوا شَيْئًا فَفِي إِرْسَالِهِ مِنْ كَمَالِ النِّعَمِ وَتَوَاصُلِهَا وَعُلُوِّ الدَّرَجَاتِ فِي السَّعَادَةِ مَا لَمْ يَكُنْ حَاصِلًا بِالْكِتَابِ الْأَوَّلِ، فَكَانَ إِرْسَالُهُ أَعْظَمَ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ مِنْ نَوْعَيِ النَّعِيمِ.
الصفحة 87