كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (اسم الجزء: 6)

الْعَقْلِ، وَاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ، وَبَسْطُ هَذَا لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ. وَإِذَا كَانَ الْفَاعِلُ بِاخْتِيَارٍ يَسْتَلْزِمُ مُرَادًا لِنَفْسِهِ مَحْبُوبًا، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِمَا يَتَحَرَّكُ فِي السَّمَاوَاتِ بِإِرَادَتِهِ سَوَاءٌ كَانَ هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةَ، أَوْ مَا يُسَمُّونَهُ هُمْ نَفْسًا مِنْ مَحْبُوبٍ مُرَادٍ لِذَاتِهِ، يَكُونُ هُوَ الْإِلَهَ الْمَعْبُودَ الْمُرَادَ بِتِلْكَ الْحَرَكَاتِ، وَكَذَلِكَ نَفْسُ الْإِنْسَانِ حَرَكَتُهَا بِالْإِرَادَةِ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهَا، فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ مَحْبُوبٍ مُرَادٍ لِذَاتِهِ، وَهُوَ الْإِلَهُ، وَهَذَا الْمَحْبُوبُ الْمُرَادُ لِذَاتِهِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَهُ، كَمَا قَدْ بُسِطَ هَذَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَبُيِّنَ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا بِغَيْرِهِ، بَلْ هُوَ وَاجِبُ الْوُجُودِ بِنَفْسِهِ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا لِغَيْرِهِ بَلْ مُرَادٌ لِنَفْسِهِ. وَكَمَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَالَمِ رَبَّانِ قَادِرَانِ، يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَالَمِ إِلَهَانِ مَعْبُودَانِ، فَإِنَّ كَوْنَ أَحَدِهِمَا قَادِرًا يُنَاقِضُ كَوْنَ الْآخَرِ قَادِرًا؛ لِامْتِنَاعِ اجْتِمَاعِ الْقَادِرَيْنِ عَلَى مَقْدُورٍ وَاحِدٍ، وَامْتِنَاعِ كَوْنِ أَحَدِهِمَا قَادِرًا عَلَى الْفِعْلِ حِينَ يَكُونُ الْآخَرُ قَادِرًا عَلَيْهِ، وَامْتِنَاعِ ارْتِفَاعِ قُدْرَةِ أَحَدِهِمَا بِقُدْرَةِ الْآخَرِ مَعَ التَّكَافُؤِ.

الصفحة 38