كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (اسم الجزء: 6)

كَذَلِكَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ إِلَهَانِ مَعْبُودَانِ مَحْبُوبَانِ لِذَاتِهِمَا؛ لِأَنَّ كَوْنَ أَحَدِهِمَا هُوَ الْمَعْبُودُ لِذَاتِهِ يُنَاقِضُهُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ مَعْبُودًا لِذَاتِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْمَحَبَّةِ وَالْعَمَلِ لِهَذَا، وَبَعْضُ ذَلِكَ لِهَذَا، وَذَلِكَ يُنَاقِضُ كَوْنَ الْحُبِّ وَالْعَمَلِ كُلِّهِ لِهَذَا، فَإِنَّ الشَّرِكَةَ نَقْصٌ فِي الْحُبِّ، فَلَا تَكُونُ حَرَكَةُ الْمُتَحَرِّكِ بِإِرَادَتِهِ لَهُ، فَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا مَعْبُودًا مَعْمُولًا لَهُ إِلَّا إِذَا لَمْ يَكُنِ الْآخَرُ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْعَمَلَ لِهَذَا يُنَاقِضُ أَنْ يَكُونَ لَهُ شَرِيكٌ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِ. وَكُلُّ مَنْ أَحَبَّ شَيْئَيْنِ فَإِنَّمَا يُحِبُّهُمَا لِثَالِثٍ غَيْرِهِمَا، وَإِلَّا فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَحْبُوبًا لِذَاتِهِ؛ إِذِ الْمَحْبُوبُ لِذَاتِهِ هُوَ الَّذِي تُرِيدُهُ النَّفْسُ وَتَطْلُبُهُ، وَتَطْمَئِنُّ إِلَيْهِ، بِحَيْثُ لَا يَبْقَى لَهَا مُرَادٌ غَيْرُهُ، وَهَذَا يُنَاقِضُ أَنْ يَكُونَ لَهُ شَرِيكٌ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ عَوَّضَ النَّاسَ بِالتَّكْلِيفِ بِالْعِبَادَاتِ لِيُثِيبَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ؛ فَإِنَّ الْإِنْعَامَ بِالثَّوَابِ لَا يَحْسُنُ بِدُونِ التَّكْلِيفِ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِجْلَالِ، وَالتَّعْظِيمِ الَّذِي لَا يَسْتَحِقُّهُ إِلَّا مُكَلِّفٌ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ الْقَدَرِيَّةُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ

الصفحة 39