كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (اسم الجزء: 6)

فَالصِّدْقُ لَهُ دَلَائِلُ مُسْتَلْزِمَةٌ لَهُ تَدُلُّ عَلَى الصِّدْقِ، وَالْكَذِبُ لَهُ دَلَائِلُ مُسْتَلْزِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْكَذِبِ، وَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِصِدْقِ مُخْبِرٍ، وَلَا بِكَذِبِ مُخْبِرٍ إِلَّا بِدَلِيلٍ، وَمَا لَمْ يُعْلَمْ صِدْقُهُ وَلَا كَذِبُهُ، وَلَا ثُبُوتُهُ وَلَا انْتِفَاؤُهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْإِمْسَاكُ عَنْهُ، وَيَقُولُ الْقَائِلُ: هَذَا لَمْ أَعْلَمْهُ، وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدِي، وَلَا أَجْزِمُ بِهِ، وَلَا أَحْكُمْ بِهِ، وَلَا أَسْتَدِلُّ بِهِ، وَلَا أَحْتَجُّ بِهِ، وَلَا أَبْنِي عَلَيْهِ مَذْهَبِي وَاعْتِقَادِي وَعَمَلِي، وَنَحْوَ ذَلِكَ. لَا يَقُولُ: هَذَا أَقْطَعُ بِكَذِبِهِ وَانْتِفَائِهِ، وَإِنْ كُنْتُ أَقْطَعُ أَنَّ مَنْ أَثْبَتَهُ تَكَلَّمَ بِلَا عِلْمٍ، فَالْقَطْعُ بِجَهْلِ مُثْبِتِهِ الْمُعْتَقِدِ لَهُ غَيْرُ الْقَطْعِ بِانْتِفَائِهِ، فَمَنْ قَطَعَ فِيهِ بِلَا دَلِيلٍ يُوجِبُ الْقَطْعَ قَطَعْنَا بِجَهْلِهِ وَضَلَالِهِ وَخَطَأِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ بِانْتِفَاءِ مَا أَثْبَتَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَمَنْ حَكَمَ بِشَهَادَةِ مَجْرُوحٍ فَاسِقٍ أَمَرَ اللَّهُ بِالتَّثَبُّتِ فِي خَبَرِهِ، فَمَنْ حَكَمَ وَقَطَعَ بِخَبَرِهِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ حَكَمْنَا بِأَنَّ هَذَا مُتَكَلِّمٌ حَاكِمٌ بِلَا عِلْمٍ، وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِكَذِبِ الشَّاهِدِ الْمُخْبِرِ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَنْفِيَ عِلْمَ غَيْرِهِ، وَقَطْعَ غَيْرِهِ، مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ مِنْهُ بِالْأَسْبَابِ الَّتِي بِهَا يَعْلَمُ وَيُخْبِرُ، فَإِنَّهُ كَثِيرًا مَا يَكُونُ لِلْإِنْسَانِ دَلَائِلُ كَثِيرَةٌ تَدُلُّ عَلَى صِدْقِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ، وَثُبُوتِ أَمْرٍ مُعَيَّنٍ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ لَا يَعْرِفُ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الدَّلَائِلِ.
وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا يَغْلَطُ فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَنْظُرُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ،

الصفحة 477