كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (اسم الجزء: 6)

لَكَ: هَبْ أَنَّهُ كَذَلِكَ لَكِنْ لَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ مَعَ الْعِلْمِ بِمَا يُنَاقِضُهُ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ مَا يَذْكُرُهُ هَؤُلَاءِ وَأَمْثَالُهُمْ مِنَ النُّظَّارِ، بَلْ وَعَامَّةُ النَّاسِ هُمْ فِيمَا يُثْبِتُونَهُ مِنَ الْعِلْمِ وَالْحَقَائِقِ الْمَعْلُومَةِ أَسَدُّ مِنْهُمْ وَأَصْوَبُ فِيمَا يَنْفُونَهُ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لِمَا يُثْبِتُهُ أَعْلَمُ مِنْهُ بِمَا يَنْفِيهِ، وَشَهَادَتُهُ عَلَى الْإِثْبَاتِ أَقْوَى مِنْ شَهَادَتِهِ عَلَى النَّفْيِ، وَإِنْ كَانَ النَّفْيُ قَدْ يَكُونُ مَعْلُومًا لَكِنْ غَلَطُ النَّاسِ فِيمَا يَنْفُونَهُ وَيُكَذِّبُونَ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ غَلَطِهِمْ فِيمَا يُثْبِتُونَهُ وَيُصَدِّقُونَ بِهِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى:
{بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} [يونس: 39]
وَلِهَذَا تَجِدُ مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا مِنَ الطُّرُقِ إِمَّا فِي إِثْبَاتِ الْعِلْمِ بِالصَّانِعِ، وَإِمَّا فِي الْعِلْمِ بِالنُّبُوَّةِ أَوِ الْعِلْمِ بِالْمَعَادِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَاحِدٌ يَقُولُ: لَا طَرِيقَ إِلَّا هَذَا الطَّرِيقُ، يُخْطِئُ فِي النَّفْيِ أَكْثَرَ مِنْ خَطَئِهِ فِي الْإِثْبَاتِ، وَمِنْهُمْ هَؤُلَاءِ فَإِنَّهُمْ قَدْ يَنْفُونَ مِنَ الْعِلْمِ وَالطُّرُقِ مَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُمْ بِالِاضْطِرَارِ، وَيُثْبِتُونَ مَا يَقُولُونَ إِنَّهُ مَعْلُومٌ بِالِاضْطِرَارِ، وَقَدْ يَكُونُ غَيْرُهُمْ أَصْوَبَ فِيمَا يُثْبِتُهُ مِنْهُمْ فِيمَا يَنْفُونَهُ، بَلْ وَفِيمَا يُثْبِتُونَهُ.

الصفحة 502