كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (اسم الجزء: 6)

لَمَّا قَامَ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى نُزُولِهِ، وَلِهَذَا يَذْكُرُ سُبْحَانَهُ فِي السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ مِنْ تَثْبِيتِ أَمْرِ الرُّسُلِ، وَآيَاتِهِمْ، وَبَرَاهِينِهِمْ، وَحُسْنِ عَاقِبَتِهِمْ، وَمِنْ ضَلَالِ مُخَالِفِيهِمْ، وَجَهْلِهِمْ، وَغَيِّهِمْ، وَخِذْلَانِهِمْ، وَسُوءِ عَاقِبَتِهِمْ مَا فِيهِ عِبْرَةٌ.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُقِرُّ بِالرُّسُلِ فِي الْجُمْلَةِ لَكِنْ لَا يُؤْمِنُ بِمَا يَجِبُ مِنْ حَقِيقَةِ إِرْسَالِهِمْ كَالْمَلَاحِدَةِ وَأَهْلِ الْبِدَعِ الَّذِينَ يُعَظِّمُونَ الْأَنْبِيَاءَ مَعَ اعْتِقَادِهِمْ فِي الْبَاطِنِ مَا يُنَاقِضُ بَعْضَ مَا جَاءُوا بِهِ لِشُبُهَاتٍ انْعَقَدَتْ فِي قُلُوبِهِمْ ظَنُّوهَا عُلُومًا عَقْلِيَّةً، وَهِيَ مُنَاقِضَةٌ لِمَا أَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ فَيَحْتَاجُونَ إِلَى أَنْ يُوَفِّقُوا بَيْنَهُمَا، وَهَؤُلَاءِ يُشْبِهُونَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ:
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 60] (60) {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} [النساء: 61] (61) {فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} [النساء: 62] (62) {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} [النساء: 63] وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ جَعَلَ لِلْأَنْبِيَاءِ مَنْ يُعَادِيهِمْ مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ فَقَالَ تَعَالَى:

الصفحة 518