كتاب شعب الإيمان (اسم الجزء: 1)

83 - أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أخبرنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ، حدثنا سُفْيَانُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّهُ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الْأَهْوَاءِ فَقَالَ: " §عَلَيْكَ بِدِينِ الْأَعْرَابِيِّ، وَالْغُلَامِ فِي الْكِتَابِ وَالْهُ عَمَّنْ سِوَاهُ " قَالَ الْإِمَامُ الْبَيْهَقِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ تعالى -: " وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وقَالَ غَيْرُهُ مِنَ السَّلَفِ - فِي النَّهْيِ عَنِ الْخَوْضِ فِي مَسَائِلِ الْكَلَامِ - فَإِنَّمَا هُوَ لِأَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ لَتَبْيِينِ صِحَّةِ الدِّينِ فِي أَصْلِهِ، إِذَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا بُعِثَ مُؤَيَّدًا بِالْحُجَجِ، فَكَانَتْ مُشَاهَدَتُهَا لِلَّذِينَ شَاهَدُوهَا، وَبَلَاغُهَا الْمُسْتَفِيضُ، لَمَنْ بَلَغَهُ كَافِيًا فِي إِثْبَاتِ التَّوْحِيدِ، وَالنُّبُوَّةِ مَعًا عَنْ غَيْرِهَا، وَلَمْ يَأْمَنُوا إنْ توَسِّعَ النَّاسُ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ، أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مَنْ لَا يَكْمُلُ عَقْلُهُ، وَيَضْعُفُ رَأْيُهُ فَيَرْتَبُكُ فِي بَعْضِ ضَلَالَةِ الضَّالِّينَ، وَشُبَهِ الْمُلْحِدِينَ، ولَا يَسْتَطِيعُ مِنْهَا مَخْرَجًا كَالرَّجُلِ الضَّعِيفِ غَيْرِ الْمَاهِرِ بِالسِّبَاحَةِ إِذَا وَقَعَ فِي مَاءٍ غَامِرٍ قَوِيٍّ، لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَغْرَقَ فِيهِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْهُ، وَلَمْ يَنْهُوا عَنْ عِلْمِ الْكَلَامِ لِأَنَّ عَيْنَهُ مَذْمُومٌ، أَوْ غَيْرُ مُفِيدٍ، وَكَيْفَ يَكُونُ الْعِلْمُ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى مَعْرِفَةِ -[182]- اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَعِلْمِ صِفَاتِهِ، وَمَعْرِفَةِ رُسُلِهِ، وَالْفَرْقِ بَيْنَ النَّبِيِّ الصَّادِقِ، وَبَيْنَ الْمُتَنَبِّئِ الْكَاذِبِ عَلَيْهِ مَذْمُومًا أَوْ مَرْغُوبًا عَنْهُ؟ وَلَكِنَّهُمْ لِإِشْفَاقِهِمْ عَلَى الضُّعَفَاءِ أن لَّا يَبْلُغُوا مَا يُرِيدُونَ مِنْهُ فَيَضِلُّوا، نَهُوا عَنِ الِاشْتِغَالِ بِهِ " ثُمَّ بَسَطَ الْحَلِيمِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - الْكَلَامَ فِي التَّحْرِيضِ عَلَى تَعَلُّمِهِ إِعْدَادًا لِأَعْدَاءِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ: " غَيْرُهُ فِي نَهْيِهِمْ عَنْ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ لِأَنَّ السَّلَفَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَالْجَمَاعَةِ كَانُوا يَكْتَفُونَ بِمُعْجِزَاتِ الرُّسُلِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا، وَإِنَّمَا يَشْتَغِلُ فِي زَمَانِهِمْ بِعِلْمِ الْكَلَامِ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ، فَكَانُوا يَنْهُونَ عَنِ الِاشْتِغَالِ بِكَلَامِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، ثُمَّ إِنَّ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ كَانُوا يَدَّعُونَ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ مَذَاهِبَهُمْ فِي الْأُصُولِ تُخَالِفُ الْمَعْقُولَ، فَقَيَّضَ اللهُ تَعَالَى جَمَاعَةً مِنْهُمْ لِلِاشْتِغَالِ بِالنَّظَرِ، وَالِاسْتِدْلَالِ حَتَّى تَبَحَّرُوا فِيهِ، وَبَيَّنُوا بِالدَّلَائِلِ النَّيِّرَةِ، وَالْحُجَجِ الْبَاهِرَةِ أَنَّ مَذَاهِبَ أَهْلِ السُّنَّةِ تُوَافِقُ الْمَعْقُولَ، كَمَا هِيَ مُوَافَقَةٌ لِظَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، إِلَّا أَنَّ الْإِيجَابَ يَكُونُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لمَا يَجُوزُ فِي الْعَقْلِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ وَاجِبٍ، دُونَ الْعَقْلِ. وَقَدْ كَانَ مِنَ السَّلَفِ مَنْ يَشْرَعُ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ، وَيَرُدُّ بِهِ عَلَى أَهْلِ الْأَهْوَاءِ "

الصفحة 181