كتاب شعب الإيمان (اسم الجزء: 1)

وَرُوِّينَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَتَمَّ مِنْ ذَلِكَ: " §حِينَ اجْتَمَعَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، -[289]- وَنَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَقَدْ حَضَرَ الْمَوْسِمُ لِيَجْتَمِعُوا عَلَى رَأْيٍ وَاحِدٍ فِيمَا يَقُولُونَ: فِي مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِوُفُودِ الْعَرَبِ، فَقَالُوا: فَأَنْتَ يَا أَبَا عَبْدِ شَمْسٍ فَقُلْ وَأَقِمْ لنا رَأَيًا نَقُومُ بِهِ، فَقَالَ: بَلْ أَنْتُمْ فَقُولُوا: أَسْمَعُ فَقَالُوا: نَقُولُ كَاهِنٌ. فَقَالَ: مَا هُوَ بِكَاهِنٍ. لَقَدْ رَأَيْتُ الْكُهَّانَ فَمَا هُوَ بِزَمْزَمَةِ الْكَاهِنِ وَسِحْرِهِ، فَقَالُوا: نَقُولُ مَجْنُونٌ. فَقَالَ: مَا هُوَ بِمَجْنُونٍ، وَلَقَدْ رَأَيْنَا الْجُنُونَ، وَعَرَفْنَاهُ فَمَا هُوَ بِخَنْقِهِ، وَلَا تَخَالُجِهِ، وَلَا وَسْوَسَتِهِ، فَقَالُوا: نَقُولُ شَاعِرٌ قَالَ: مَا هُوَ بِشَاعِرٍ، وَلَقَدْ عَرَفْنَا الشِّعْرَ بِرَجَزِهِ وَهَزَجِهِ، وَقَرِيضِهِ، وَمَقْبُوضِهِ وَمَبْسُوطِهِ، فَمَا هُوَ بِالشِّعْرِ قَالُوا: فَنَقُولُ هُوَ سَاحِرٌ قَالَ: فَمَا هُوَ بِسَاحِرٍ لَقَدْ رَأَيْنَا السُّحَّارَ وَسِحْرَهُمْ، فَمَا هُوَ بِنَفْثِهِ وَلَا عَقْدِهِ، فَقَالُوا: فَمَا تَقُولُ يَا أَبَا عَبْدِ شَمْسٍ قَالَ: وَاللهِ إِنَّ لِقَوْلِهِ لَحَلَاوَةً، وَإِنَّ أَصْلَهُ لَمُغْدِقٌ، وَإِنَّ فَرْعَهُ لَجَنًى، فَمَا أَنْتُمْ بِقَائِلِينَ مِنْ هَذَا شَيْئًا إِلَّا عُرِفَ أَنَّهُ بَاطِلٌ، وَإِنَّ أَقْرَبَ الْقَوْلِ أَنْ تَقُولُوا: سَاحِرٌ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَرْءِ، وَبَيْنَ أَبِيهِ وَبَيْنَ الْمَرْءِ، وَبَيْنَ أَخِيهِ وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ، وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَبَيْنَ عَشِيرَتِهِ فَتُفَرِّقُوا عَنْهُ بِذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ: {ذَرْنِي، وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} [المدثر: 11] إِلَى قَوْلِهِ: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر: 26]

134 - " أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ يَعْقُوبَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حدثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، -[290]- عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَوْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -، أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ اجْتَمَعَ وَنَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَذَكَرَهُ. " وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ فِي الْجُزْءِ الثَّامِنِ مِنْهُ مَعَ سَائِرِ مَا وَرَدَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ، وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَغَيْرِهِمَا فِيمَا قَالُوا: عِنْدَ سَمَاعِ الْقُرْآنِ، وَاعْتَرَفُوا بِهِ مِنْ أَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا مِثْلَهُ، وَفِي الْقُرْآنِ وَجْهَانِ آخران لِلْإِعْجَازِ: أَحَدُهُمَا مَا فِيهِ مِنَ الْخَبَرِ، عَنِ الْغَيْبِ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 33]، وَقَوْلِهِ: {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} [النور: 55]، وَقَوْلِهِ فِي الرُّومِ: {وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ} [الروم: 4]، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وَعْدِهِ إِيَّاهُ بِالْفُتُوحِ فِي زَمَانِهِ وَبَعْدَهُ، ثُمَّ كَانَ كَمَا أَخْبَرَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَعْلَمُ النُّجُومَ وَلَا الْكِهَانَةَ، وَلَا يُجَالِسُ أَهْلَهَا. وَالْآخَرُ: مَا فِيهِ مِنَ الْخَبَرِ عَنْ قَصَصِ الْأَوَّلِينَ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ ادُّعِيَ عَلَيْهِ فِيمَا وَقَعَ الْخَبَرُ عَنْهُ مِمَّنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْكُتُبِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أُمِّيًّا لَا يَقْرَأُ كِتَابًا، وَلَا يَخُطُّهُ، وَلَا يُجَالِسُ أَهْلَ الْكِتَابِ لِلْأَخْذِ عَنْهُمْ، وَحِينَ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ رَدَّ اللهُ تَعَالَى ذَلِكَ عَلَيْهِ فَقَالَ: {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ، وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل: 103] "

الصفحة 288