كتاب شعب الإيمان (اسم الجزء: 1)

§فَصْلُ فِي مَعْرِفَةِ الْمَلَائِكَةِ قَالَ الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: " مِنَ النَّاسِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْأَحْيَاءَ الْعُقَلَاءَ النَّاطِقِينَ فَرِيقَانِ: إِنْسٌ وَجِنٌّ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ صِنْفَانِ أَخْيَارٌ وَأَشْرَارٌ، فَأَخْيَارُ الْإِنْسِ يُدْعَوْنَ أَبْرَارًا، ثُمَّ يَنْقَسِمُونَ إِلَى رُسُلٍ وَغَيْرِ رُسُلٍ، وَأَشْرَارُهُمْ يُدْعَوْنَ فُجَّارًا ثُمَّ يَنْقَسِمُونَ إِلَى كُفَّارٍ، وَغَيْرِ كُفَّارٍ، وَأَخْيَارُ الْجِنِّ يُسَمَّوْنَ مَلَائِكَةً، ثُمَّ يَنْقَسِمُونَ إِلَى رُسُلٍ وَغَيْرِ رُسُلٍ، وَأَشْرَارُهُمْ يُدْعَوْنَ شَيَاطِينَ، ثُمَّ قَدْ يُسْتَعَارُ هَذَا الِاسْمُ لِفُجَّارِ الْإِنْسِ تَشْبِيهًا لَهُمْ بِفُجَّارِ الْجِنِّ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ هَذَا التَّفْسِيرُ، وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْجِنَّ مِنْهُمْ سُكَّانُ الْأَرْضِ، وَمِنْهُمْ سُكَّانُ السَّمَاءِ فَالَّذِينَ هُمْ سُكَّانُ السَّمَاءِ يُدْعَوْنَ الْمَلَأَ الْأَعْلَى، وَيَدْعُونَ الْمَلَائِكَةَ، وَالَّذِينَ هُمْ سُكَّانُ الْأَرْضِ هُمُ الْجِنُّ بِالْإِطْلَاقِ، وَيَنْقَسِمُونَ إِلَى أَخْيَارٍ وَفُجَّارٍ، وَمُؤْمِنِينَ، وَكَافِرِينَ، وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْمَلَأِ الْأَعْلَى مَلَائِكَةٌ لِأَنَّهُمْ مُسْتَصْلَحُونَ لِلرِّسَالَةِ الَّتِي تُسَمَّى الْوَلَا، وَأَكْثَرُ النَّاسِ عَلَى أَنَّ الْمَلَكَ أَصْلُهُ مَالِكٌ، وَأَنَّ مِلَاكَ مَقْلُوبٌ، وَأَنَّهُ قِيلَ: الْوَاحِدُ الْمَلَائِكَةُ مَالِكٌ، بِمَعْنَى أَنَّهُ مَوْضِعٌ لِلرِّسَالَةِ بِكَوْنِهِ مُصْطَفًى مُخْتَارًا لِلسَّمَاءِ أَنْ يَسْكُنَهَا إِذْ كَانَتِ الرِّسَالَةُ مِنْهَا تَأْتِي سُكَّانَ الْأَرْضِ، وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا قَالَ أَخْبَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يَسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لَمْ يَكُنْ لِاسْتِثْنَائِهِ مِنْهُمْ مَعْنًى، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فِي آيَةٍ أُخْرَى: {إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف: 50] فَأَبَانَ أَنَّ

الصفحة 297