كتاب شعب الإيمان (اسم الجزء: 1)
324 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حدثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَرْجَانَةَ قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ فَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} إِلَى آخِرِهَا فَبَكَى حَتَّى سَمِعْتُ نَشِيجَهُ فَقُمْتُ حَتَّى أَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا تَلَا ابْنُ عُمَرَ فَقَالَ: §" يَغْفِرُ اللهُ لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَقَدْ وَجَدَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهَا حِينَ نَزَلَتْ مِثْلَ مَا وَجَدَ عَبْدُ اللهِ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] الْآيَةَ، وَكَانَتِ الْوَسْوَسَةُ مِمَّا لَا طَاعَةَ لِلْمُسْلِمِينَ بِهِ، فَصَارَ الْأَمْرُ بَعْدُ إِلَى قَضَاءِ اللهِ تَعَالَى أَنَّ النَّفْسَ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ "
325 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ -[510]- بْنُ الْحُسَيْنِ بْنُ مُكْرَمٍ بِالْبَصْرَةِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ تَسْنِيمٍ، حدثنا رَوْحٌ، حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدٍ يَعْنِي الْحَذَّاءَ، عَنْ مَرْوَانَ الْأَصْفَرِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسِبُهُ ابْنَ عُمَرَ: {§إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ} [البقرة: 284] قَالَ: " نَسَخَتْهَا الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ رَوْحٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " وَهَذَا النَّسْخُ بِمَعْنَى التَّخْصِيصِ وَالتَّبْيِينِ، فَإِنَّ الْآيَةَ الْأُولَى وَرَدَتْ مَوْرِدَ الْعُمُومِ فَوَرَدَتِ الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا فَبَيَّنَتْ أَنَّمَا يَخْفَى مِمَّا لَا يُؤَاخَذُ بِهِ، وَهُوَ حَدِيثُ النَّفْسِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الْعَبْدُ دَفْعَهُ عَنْ قَلْبِهِ، وَهَذَا لَا يَكُونُ مِنْهُ كَسْبٌ فِي حُدُوثِهِ وَبَقَائِهِ وَكَثِيرٌ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ كَانُوا يُطْلِقُونَ عَلَيْهِ اسْمَ النَّسْخِ عَلَى الِاتِّسَاعِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْلَا الْآيَةُ الْأُخْرَى لَكَانَتِ الْآيَةُ الْأُولَى تَدُلُّ عَلَى مُؤَاخَذَتِهِ بِجَمِيعِ ذَلِكَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا خَبَرًا مُضَمَّنًا بِحُكْمٍ، وَكَأَنَّهُ حُكْمٌ بِمُؤَاخَذَةِ عِبَادِهِ بِجَمِيعِ ذَلِكَ وَتَعَبُّدِهِمْ بِهِ وَلَهُ أَنْ يَتَعَبَّدَهُمْ بِمَا شَاءَ، فَلَمَّا قَابَلُوهُ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ خَفَّفَ عَنْهُمْ وَوَضَعَ عَنْهُمْ حَدِيثَ النَّفْسِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: {يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ} [البقرة: 284] خَبَرًا مُضَمَّنًا لِحُكْمٍ، أَيْ حَكَمَ بِمُحَاسَبَتِكُمْ بِهِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ}. -[511]- أَيْ حَكَمَ بِذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: {الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ}. فَنَسَخَ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ وَأَثْبَتَ الثَّانِيَ كَذَلِكَ هَذَا وَاللهُ أَعْلَمُ. وَهَذَا الَّذِي كَتَبْتُهُ مُخْتَصَرٌ مِنْ جُمْلَةٍ ذَكَرَهَا الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي هَذَا الْبَابِ فِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ عَنْهُ، وَذَكَرَ فِيمَا لَا يُؤَاخَذُ بِهِ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ مَعْنَى مَا ذَكَرْنَاهُ، ثُمَّ قَالَ وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى مَا رُوِيَ: " لَكَ النَّظْرَةُ الْأُولَى، وَلَيْسَتْ لَكَ الثَّانِيَةُ " إِذَا كَانَتِ الْأُولَى لَا عَنْ قَصْدِ تَعَمُّدٍ، فَإذا أَعَادَ النَّظَرَ فَهُوَ كَمَنْ حَقَّقَ الْخَطْرَةَ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: وإِذَا تَحَقَّقَ الْخَطْرَةُ فَهُوَ كَمَنْ حَقَّقَ النَّظَرَ وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ " وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " النَّسْخُ لَا يَجْرِي فِيمَا أَخْبَرَ اللهُ عَنْهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ وَأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى الْكَذِبِ وَالْخُلْفِ، وَيَجْرِي عِنْدَ بَعْضِهِمْ فِيمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ، وَذَلِكَ أَنَّ مَا أَخْبَرَ اللهُ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَهُ بِشَرْطٍ وَإِخْبَارِهِ عَمَّا فَعَلَهُ لَا يَجُوزُ دُخُولُ الشَّرْطِ فِيهِ، وَهَذَا أَصَحُّ الْوُجُوهِ، وَعَلَيْهِ تَأَوَّلَ ابْنُ عُمَرَ الْآيَةَ وَيَجْرِي ذَلِكَ مَجْرَى الْعَفْوِ وَالتَّخْفِيفِ عَنْ عِبَادِهِ، وَهُوَ كَرَمٌ مِنْهُ وَفَضْلٌ وَلَيْسَ بِخُلْفٍ. قَالَ: وَأَمَّا مَا تَعَلَّقَ مِنَ الْأخْبَارِ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَالنَّسْخُ فِيهِ جَائِزٌ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنَ النَّاسِ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ خَبَرًا عَنْ مَاضٍ أَوْ عَنْ زَمَانٍ مُسْتَقْبَلٍ "
الصفحة 509