كتاب شعب الإيمان (اسم الجزء: 1)

فَأَمَّا مَا يَتَطَوَّعُ بِهِ الْإِنْسَانُ مِمَّا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ بِمَعْنَى تَصْدِيقِ الْعَقْدِ، وَالْقَوْلُ بِالْفِعْلِ مَوْجُودٌ فِيهِ فَيَزْدَادُ بِهِ الْإِيمَانُ، وَتَرْكُهُ بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَنْ لَمْ يَتْرُكْهُ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى نُقْصَانًا لَكِنْ لَا يُوجِبُ لِتَارِكِهِ عِصْيَانًا وهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ " قَالَ: " وَإِذَا أَوْجَبْنَا أَنْ تَكُونَ الطَّاعَاتُ كُلُّهَا إِيمَانًا لَمْ نوجبْ أَنْ تَكُونَ الْمَعَاصِي الْوَاقِعَةُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ كُفْرًا، وَذَلِكَ أَنَّ الْكُفْرَ بِاللهِ أوَ بِرَسُولِهِ مُقَابِلٌ لِلْإِيمَانِ بِهِ، فَإِذَا كَانَ الْإِيمَانُ بِاللهِ أوَ بِرَسُولِهِ: الِاعْتِرَافَ بِهِ، وَالٍإِثْبَاتَ لَهُ كَانَ الْكُفْرُ جُحُودَهُ، وَالنَّفْيَ لَهُ وَالتَّكْذِيبَ بِهِ، وَأَمَّا الْأَعْمَالُ فَإِنَّهَا إِيمَانٌ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ بَعْدَ وُجُودِ الْإِيمَانِ بِهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ إِقَامَةُ الطَّاعَةِ عَلَى شَرْطِ الِاعْتِرَافِ الْمُتَقَدِّمِ، فَكَانَ الَّذِي يُقَابِلُه هُوَ الشِّقَاقُ، وَالْعِصْيَانُ دُونَ الْكُفْرِ، وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ مِنَ الْأَخْبَارِ، وَالْآثَارِ مَا يَكْشِفُ عَنْ صِحَّةِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فَأَنَا أُشِيرُ فِي هَذَا الْكِتَابِ إِلَى طَرَفٍ مِنْهَا بِمَشِيئَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ "
§بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ التَّصْدِيقَ بِالْقَلْبِ، وَالْإِقْرَارَ بِاللِّسَانِ أَصْلُ الْإِيمَانِ، وَأَنَّ كِلَاْهِمَا شَرْطٌ فِي النَّقْلِ عَنِ الْكُفْرِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَجْزِ " قَالَ اللهُ تَعَالَى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ، وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا، وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} الْآيَةَ. " فَأَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَقُولُوا: آمَنَّا بِاللهِ " وَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا، وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 14]، " فَأَخْبَرَ أَنَّ الْقَوْلَ الْعَارِيَ عَنِ الِاعْتِقَادِ لَيْسَ بِإِيمَانٍ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي قُلُوبِهِمْ إِيمَانٌ لَكَانُوا مُؤْمِنِينَ لِجَمْعِهِمْ بَيْنَ التَّصْدِيقِ بِالْقَلْبِ وَالْقَوْلِ بِاللِّسَانِ، وَدَلَّتِ السُّنَّةُ عَلَى مِثْلِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ "

الصفحة 92