كتاب شعب الإيمان (اسم الجزء: 3)
فَحَقَّ عَلَيْنَا إِذًا أَنْ نَحِبَّهُ وَنُجِلَّهُ وَنُعْظِمَّهُ وَنُهِيبَهُ أَكْثَرَ مِنْ إِجْلَالِ كُلِّ عَبْدٍ سَيِّدَهُ، وَكُلِّ وَلَدٍ وَالِدَهُ، وَبِمْثِلِ هَذَا نَطَقَ الْكِتَابُ، وَوَرَدَتْ أُوَامِرُ اللهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ، وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 157] فَأَخْبَرَ أَنَّ الْفَلَاحَ إِنَّمَا يَكُونُ جَمَعَ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ تَعْزِيرَهُ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ التَّعْزِيرَ هَاهُنَا التَّعْظِيمُ، وَقَالَ: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} [الفتح: 9] فَأَبَانَ أَنَّ حَقَّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُمَّتِهِ أَنْ يَكُونَ مُعَزَّزًا مُوَقَّرًا مَهِيبًا وَلَا يُعَامَلُ بِالِاسْتِرْسَالِ وَالْمُبَاسَطَةِ، كَمَا يُعَامِلُ الْأَكْفَاءُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: 63] فَقِيلَ فِي مَعْنَاهُ: لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَهُ إِيَّاكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا، فَتُؤَخِّرُوا إِجَابَتَهُ بِالْأَعْذَارِ وَالْعِلَلِ الَّتِي يُؤَخِّرُ بِهَا بَعْضُكُمْ إِجَابَةَ بَعْضٍ، وَلَكِنْ عَظِّمُوهُ بِسُرْعَةِ الْإِجَابَةِ وَمُعَاجَلَةِ الطَّاعَةِ، وَلَمْ يَجْعَلِ الصَّلَاةَ لَهُمْ عُذْرًا فِي التَّخَلُّفِ، عَنِ الْإِجَابَةِ إِذَا دَعَا أَحَدَهُمْ وَهُوَ يُصَلِّي إِعْلَامًا لَهُمْ بِأَنَّ الصَّلَاةَ إِذَا لَمْ تَكُنْ عُذْرًا يُسْتَبَاحُ بِهِ تَأْخِيرُ الْإِجَابَةِ، فَمَا دُونَهَا مِنْ مَعَانِيَ أَعْذَارٌ بَعْدَ ذَلِكَ " " وَذَكَرَ حَدِيثَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَمَا "
1427 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ الْمُؤَمَّلِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عِيسَى، -[97]- حدثنا الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَادَى أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فَلَمْ يُجِبْهُ، فَقَالَ: " مَا مَنَعَكَ أَنْ تُجِيبَنِي يَا أُبَيُّ؟ " فَقَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي، فَقَالَ: " أَلَمْ يَقُلِ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24] لَا تَخْرُجْ مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى أُعَلِّمَكَ سُورَةً مَا أَنْزَلَ اللهُ فِي التَّوْرَاةِ، وَالْإِنْجِيلِ، وَالزَّبُورِ، مَثْلَهَا " قَالَ أُبَيٌّ: ثُمَّ اتَّكَأَ عَلَى يَدَيَّ حَتَّى إِذَا كَانَ بِأَقْصَى الْمَسْجِدِ، قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، قُلْتَ كَذَا وَكَذَا قَالَ: " نَعَمْ §هِيَ أُمُّ الْقُرْآنِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَنْزَلَ اللهُ فِي التَّوْرَاةِ، وَالْإِنْجِيلِ، وَالزَّبُورِ مَثْلَهَا، وَإِنَّهَا السَّبْعُ الطِّوَالُ الَّتِي أُوتِيتُ، وَإِنَّهَا الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ " وَقَدْ رُوِيَ هَذَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " وَقِيلَ مَعْنَى هذه الْآيَةِ: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: 63]، ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانُوا يُنَادُونَهُ عَلَى رَسْمِ الْمَلَإِ بَيْنَهُمْ، فَيَقُولُونَ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ، يَا أَبَا الْقَاسِمِ، فَنُهُوا -[98]- عَنْ ذَلِكَ وَأُمِرُوا أَنْ يُعَظَّمُوهُ فَيَقُولُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، يَا نَبِيَّ اللهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرَيْنِ إِجْلَالٌ وَتَعْظِيمٌ "
الصفحة 96