كتاب شعب الإيمان (اسم الجزء: 5)

§الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ مِنْ شُعَبِ الْإِيمَانِ وَهُوَ بَابٌ فِي الصِّيَامِ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183] قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي مَبْسُوطِ كَلَامِهِ: " قَدْ أَبَانَ اللهُ عز وجل أَنَّ الصَّوْمَ مِنْ أسْبابِ التَّقْوَى، وَحَقِيقَةُ التَّقْوَى فِعْلُ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَالْمَنْدُوبِ إِلَيْهِ، وَاجْتِنَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَالْمَكْرُوهِ، وَالْمُنَزَّهِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ التَّقْوَى وِقَايَةُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ مِنَ النَّارِ، وَهُوَ إِنَّمَا يَقِي نَفْسَهُ النَّارَ بِمَا ذَكَرَتْ. قَالَ: وَالصَّلَاةُ أَحَدُ شُعَبِهَا قَالَ اللهُ عز وجل: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45] وَالِانْتِهاءُ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ هُوَ التَّقْوَى، وَهَذَا لِأَنَّ مَنْ حَبَّبَ اللهُ إِلَيْهِ الصَّلَاةَ وَوَفَّقَهُ لَهَا وذَلَّلَ أَعْضَاءَهُ، وَجَوَارِحَهُ بِهَا لَمْ يَكُنْ إِلَّا مُنْتَهِيًا عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، وَكَذَلِكَ الصِّيَامُ مِنْ شُعَبِهَا؛ لِأَنَّ التَّمَلُّؤَ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ رَأْسُ الْبَوَاعِثِ عَلَى الْفَحْشَاءِ وَالْمَنَاكِيرِ، وَمَعْلُومٌ فِي الْعَادَاتِ أَنَّ الْجَائِعَ الْعَطْشَانَ لَا يَجِدُ فِي نَفْسِهِ مِنْ قَلَقِ الشَّهَوَاتِ مَا يَجِدُه مِنْهُ الْمُمْتَلِئُ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَإِذَا كَانَ كذَلِكَ فَقَدْ حَصُلَ مِنَ الصِّيَامِ التَّقْوَى. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرَ: وَهُوَ أَنَّ الْمَعْنَى لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الْكُفْرَان وَالتَّغافُلَ وَالتَّجاهُلَ بِقَدْرِ النِّعْمَةِ عَنْ شُكْرِها، وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ إِذَا كَانُوا مُتمْكنِينَ طُولَ الدَّهْرِ لَيْلًا وَنَهَارًا

الصفحة 190