كتاب شعب الإيمان (اسم الجزء: 6)

3916 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ ابن مَسْعُودٍ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: " §الصَّلَوَاتُ لِوَقْتِهِنَّ، وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ، وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ ". حَكَى أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الشَّاسِيِّ الْإِمَامِ رَحِمَهُ اللهُ، فِي جَمْلِةِ مَا خَرَّجَ هَذِهِ الْأَخْبَارَ عَلَيْهِ: أن الْقَائِلُ قَدْ يَقُولُ: خَيْرُ الْأَشْيَاءِ كَذَا لَا يُرِيدُ تَفْضِيلَهُ فِي نَفْسِهِ عَلَى جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ، وَلَكِنْ عَلَى أَنَّهُ خَيْرَهَا فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ، وَلِوَاحِدٍ دُونَ آخَرَ، كَمَا قَدْ يَتَضَرَّرُ وَاحِدٌ بِكَلَامٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، فَيَقُولُ: مَا شَيْءٌ أَفْضَلُ مِنَ السُّكُوتِ أَيْ حَيْثُ لَا يُحْتَاجُ إِلَى الْكَلَامِ، ثُمَّ قَدْ يَتَضَرَّرُ بِالسُّكُوتِ مَرَّةً، فَيَقُولُ: مَا شَيْءٌ أَفْضَلُ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِمَا يَعْرِفُهُ، فَيَجُوزُ هَذَا الْإِطْلَاقُ كَمَا جَازَ الْأَوَّلُ. وَيَقُولُ الْقَائِلُ: فُلَانٌ أَعْقلُ النَّاسِ وَأَفْضَلُهُمْ، يُرِيدُ أَنَّهُ مِنْ أَعْقَلِهِمْ وَأَفْضَلِهِمْ. وَرُوِيَ: " خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ " يعْنَى أَنَّ مَنْ أَحْسَنَ مُعَاشَرَةَ أَهْلِهِ فَهُوَ أَفْضَلُ النَّاسِ. -[89]- وَقِيلَ: شِرَارُكُمْ عُزَّابُكُمْ أَيْ مِنْ أَشْرَارِكُمْ، لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ صَالِحًا فَهُوَ يُعَرِّضُ نَفْسَهُ لِلشَّرِّ غَيْرَ آمَنٍ مِنَ الْفِتْنَةِ، وَإِلَّا فَالْفُسَّاقُ شَرٌّ مِنْهُمْ، وَفِي الْعُزَّابِ صَالِحُونَ. وَرُوِيَ: " مَا شَيْءٌ أَحَقُّ بِطُولِ سَجْنٍ مِنْ لِسَانٍ ". وَقَدْ يَكُونُ الْفَاسِقُ الْمُفْسِدُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ. وَرُوِيَ: " مَا من شَيْءٌ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ ". وَمَعْلُومٌ أَنَّ الصَّلَاةَ وَالْجِهَادَ أَعَلَى مِنْهُ. وَرُوِيَ: " خِيَارُكُمْ أَلْيَنُكُمْ مَنَاكِبَ فِي الصَّلَاةِ ". وَقَدْ يُوجَدُ لِينُ الْمَنَاكِبِ فِيمَنْ غَيْرُهُ أَفْضَلُ نَفْسًا وَدِينًا مِنْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ كَلَامٌ عَرَبِيٌّ يُطْلَقُ عَلَى الْحَالِ وَالْوَقْتِ، وَعَلَى إِلْحَاقِ -[90]- الشَّيْءِ الْمُفَضَّلِ بِالْأَعْمَالِ الْفَاضِلَةِ، وَعَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ كَذَا وَكَذَا لَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ غَيْرِهِ. ثُمَّ بَسْطَ الْكَلَامَ فِي هَذَا إِلَى أَنْ ذَكَرَ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي سُؤَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ. وَقَوْلُهُ: ثُمَّ مَاذَا، فَقَالَ: وقَدْ يَخْرُجُ هَذَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِحَرْفِ " ثُمَّ " الْتَرْتِيبَ، وَإِنَّمَا قِيلَ " ثُمَّ " عَلَى مَعْنَى: ثُمَّ مَا الَّذِي يَحِلُّ مَحَلَّهُ فيحَافِظَ عَلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَا آَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ}. وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى تَأْخِيرِ الْإِيمَانِ عَنِ الْإِطْعَامِ، وَإِنَّمَا كَانَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ أَهْلُ فَكٍّ أَوْ إِطْعَامٍ، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الصَّبْرِ، وَأَهْلُ الْمَرْحَمَةِ، فَكَذَلِكَ. هَذَا وَاللهُ أَعْلَمُ "

الصفحة 88