كتاب شعب الإيمان (اسم الجزء: 7)

وَقَدْ §" لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ "
قَالَ: وَأَمَّا التَّصْفِيقُ فَمَكْرُوهٌ لِلرِّجَالِ، لِأَنَّهُ مِمَّا خُصَّ بِهِ النِّسَاءُ، وَقَدْ مُنِعَ الرِّجَالُ التَّشَبُّهَ بِالنِّسَاءِ، كَمَا مُنِعُوا مِنْ لُبِسِ الْحَرِيرِ وَالْمُزَعْفَرِ كَذَلِكَ، وَأَمَّا الرَّقْصُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَكَسُّرٌ وَتَخَنُّثٌ فَلَا بَأْسَ، فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِزَيْدٍ: §" أَنْتَ مَوْلَانَا " فَحَجَلَ، وَهُوَ أَنْ يَرْفَعَ -[123]- رِجْلًا وَيَقْفِزَ إِلَى الْأُخْرَى مِنَ الْفَرَحِ، وَقَالَ لِجَعْفَرٍ: " أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي " فَحَجَلَ، قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالَ لِي: " أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ " فَحَجَلْتُ، وَأَمَّا ضَرْبُ الْقَضِيبِ فَإِنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى وَزْنِ الشِّعْرِ، وَتَقْطِيعِ اللَّحْنِ فَقَطْ، وَلَيْسَ لِلتَّطْرِيبِ وَالْإِلْهَاءِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَلَى الِانْفِرَادِ لَيْسَ مِمَّا تَسْتَلِذُّهُ الْأَسْمَاعُ، وَلَا يُرْغَبُ فِيهِ، وَلَيْسَ صَوْتُ الْمِزْهَرِ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّطْرِيبُ وَالْإِلْهَاءِ، وَالْأَسْمَاعُ تَسْتَلِذُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ قَوْلٌ، وَكَانَ الضَّرْبُ بِالْقَضِيبِ عَلَى وِسَادَةٍ، وَالضَّرْبُ بِالْمِطْرَقِ عَلَى الطِّشْتِ سَوَاءً " قَالَ الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " وَكُلُّ غِنَاءٍ حَلَّ أَوْ حَرُمَ فَهُوَ بَاطِلٌ مَا لَا قُرْبَةَ فِيهِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَلَا يَصْلُحُ لِلْتَوَصُّلِ بِهِ إِلَى قُرْبَةٍ، وَهَذَا صِفَةُ الْغِنَاءِ، إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ شَيْءٍ يُسَمَّى بِالْبَاطِلِ يُحَرَّمُ، فَإِنَّ اللَّعِبَ بِالصَّوْلَجَانِ بَاطِلٌ وَلَا يُكْرَهُ، وَكَذَلِكَ الْمُصَارَعَةُ، وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ، قَالَ: فَإِنِ اتَّصَلَ الْغِنَاءُ الْمُبَاحُ بِغَرَضٍ صَحِيحٍ مِثْلِ أَنْ يَكُونَ بِرَجُلٍ وَحْشَةٌ وَعِلَّةٌ عَارِضَةٌ لِفِكْرِهِ، فَأَشَارَ عَدْلٌ مِنَ الْأَطِبَّاءِ بِأَنَّ السَّاكِنَ النُّزْهَةُ وَيُغَنِّي لِيَتَفَرَّجَ بِذَلِكَ، وَيَنْشَرِحُ صَدْرُهُ ارْتَفَعَ اسْمُ الْبَاطِلِ فِي هَذَا الْحَالِ عَنْهُ، وَكَانَ اسْمُ الْحَقِّ أَوْلَى بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْحُدَاءَ ضَرْبٌ مِنَ الْغِنَاءِ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَتْ لَهُ فَائِدَةٌ مَعْقُولَةٌ، وَهِيَ تَنْشِيطُ الْإِبِلِ لِلسَّيْرِ زَالَ عَنْهُ اسْمُ الْبَاطِلِ، فَمَا يُرَادُ بِهِ اسْتِصْلَاحُ نَفْسِ الْإِنْسَانِ وَفِكْرِهِ أَوْلَى أَنْ يَزُولَ عَنْهُ اسْمُ الْبَاطِلِ " قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ: " وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ النُّسُكِ غَلَبَ عَلَيْهِ حَالٌ مِنْ أَحْوَالِهِمْ كَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَالْمَحَبَّةِ وَالشَّوْقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ تَغَنَّى كَمَا قِيلَ فِي مِثْلِ حَالِهِ فِي بَعْضِ الْأَحَايِينِ. . بِذَلِكَ مَا هُوَ فِيهِ مِنَ الْخَوْفِ مِنْ سُوءِ الْعَاقِبَةِ بِمَا سَبَقَ مِنَ الْأَوَّلِ، أَوِ الْحُزْنِ عَلَى مَا مَضَى مِنْ أَيَّامِهِ، أَوِ الشَّوْقِ إِلَى مَا أَعَدَّهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِعِبَادِهِ فِي الْآخِرَةِ، أَوْ يَفْرَحُ بِمَا قِيلَ فِيهِ عَنْ بَعْضِ مَا يُقَاسِيهِ مِنَ الْخَوْفِ وَالْحُزْنِ، فَاعْتَدَلَتْ حَالُهُ فِي الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَالْحُزْنِ وَالْفَرَحِ، فَحَصَلَ بِمَا وُفِّقَ لَهُ مِنَ الطَّاعَةِ، وَيَحْزَنُ بِمَا يَخَافُ مِنْ سُوءِ الْعَاقِبَةِ، أَوْ عَلَى مَا يَقَعُ مِنْهُ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي الْعِبَادَةِ، فَقَدْ فَعَلَ جَمَاعَةٌ مِنْ سَلَفِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَلَمْ يَكْرَهُوهُ إِلَّا لِمَنْ خَرَجَ عَنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا "

الصفحة 122