كتاب شعب الإيمان (اسم الجزء: 10)
§الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ مِنْ شُعَبُ الْإِيمَانِ، وَهُوَ بَابٌ فِي التَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى " قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]، وَمَعْنَى هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْمُعَاوَنَةَ عَلَى الْبِرِّ بِرٌّ، لِأَنَّهَا إِذَا عُدِمَتْ مَعَ وُجُودِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ لَمْ يُوجَدِ الْبِرُّ، وَإِذَا أُوجِدَتْ وُجِدَ الْبِرُّ، فَبَانَ بِأَنَّهَا فِي نَفْسِهَا بِرٌّ، ثُمَّ رَجَحَ هَذَا الْبِرُّ عَلَى الْبِرِّ الَّذِي يَنْفَرِدُ بِهِ الْوَاحِدُ بِمَا فِيهِ مِنْ حُصُولِ بِرٍّ كَثِيرٍ مَعَ مُوَافَقَةِ أَهْلِ الدِّينِ، وَالتَّشَبُّهِ بِمَا بُنِيَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الطَّاعَاتِ، مِنَ الِاشْتِرَاكِ فِيهَا، وَأَدَائِهَا بِالْجَمَاعَةِ، وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ "
7201 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، وَالْعَبَّاسُ الدُّورِيُّ، قَالَا: نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي رِوَايَةِ الدُّورِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " §انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا، أَوْ مَظْلُومًا "، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا، فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ: " تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ " أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ حُمَيْدٍ، -[84]- وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ بِمَعْنَاهُ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللهُ: " وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الظَّالِمَ مَظْلُومٌ مِنْ جِهَتِهِ كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا، أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ} [النساء: 110]، فَكَمَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْصَرَ الْمَظْلُومُ - إِذَا كَانَ غَيْرَ نَفْسِ الظَّالِمِ لِيَدْفَعَ الظُّلْمَ عَنْهُ - كَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُنْصَرَ إِذَا كَانَ نَفْسَ الظَّالِمِ لِيَدْفَعَ ظُلْمَهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا أَمَرَ كُلَّ وَاحِدٍ بِنُصْرَةِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، إِذَا رَآهُ يَظْلِمُ وَقَدَرَ عَلَى نَصْرِهِ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ إِذَا جَمَعَهُمَا صَارَا كَالْبَدَنِ الْوَاحِدِ، كَمَا أَنَّ أُخُوَّةَ النَّسَبِ لَوْ جَمَعْتُهُمَا كَانَا كَالْبَدَنِ الْوَاحِدِ، وَالدِّينُ أَقْوَى مِنَ الْقَرَابَةِ، وَأَوْلَى بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ مِنْهَا، وَإِلَى هَذَا وَقَعَتِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10]، وَجَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا "
الصفحة 83