كتاب الجامع في أحكام صفة الصلاة - الدبيان (اسم الجزء: 1)

الطريق الثاني:
أنه لا فرق بينهما في الفضل، وهو رواية عن أحمد، وهي اختيار الخرقي، وأبي حفص العكبري، وأبي علي بن أبي موسى وغيرهم من الحنابلة؛ لصحة الروايات بكل منهما، فهذا دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل هذا تارة، وهذا تارة (¬١)، ويكون الاختلاف في هذا من قبيل تنوع صفة العبادة، كالتنوع الوارد في دعاء الاستفتاح، والتنوع الوارد في أنواع التشهد في الصلاة، ونحوها، ليس شيء منها مهجورًا.
والسنة في العبادة الواردة على صفات متعددة أن يفعل هذه تارة، وهذه تارة؛ لإصابة السنة في جميع وجوهها؛ ولأن هذا أبلغ في متابعة النبي صلى الله عليه وسلم من الاقتصار على صفة واحدة، وحتى لا تهجر سنة محفوظة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليتحرر المتعبد من غلبة العادة على عباداته.
• ويجاب:
بأن حمل الأحاديث الواردة على الاختلاف فيما بينها، وأن هذا من قبيل تعدد الصفة الواردة في العبادة ليس بأولى من حملها على أنها صفة واحدة، وأنه ليس بينها اختلاف؛ لأن الأصل عدم تعدد صفة العبادة إلا إذا تعذر الجمع، والجمع غير متعذر، فمن قال: يرفع يديه إلى فروع أذنيه أراد بذلك أطراف أصابعه، ومن قال: قريبًا من أذنيه أراد بذلك إبهاميه، بأن تحاذي شحمتي أذنيه، ومن قال: إلى منكبيه أراد بذلك راحتيه، وكلها يجمعها اسم الكف، فبعضهم نظر إلى أعلى الكف، وبعضهم نظر إلى وسطه، وبعضهم نظر إلى راحة الكف، وهذا ما ذهب إليه الحنفية، والشافعية (¬٢).
قال النووي: «المذهب: أنه يرفعهما بحيث تحاذي أطراف أصابعه أعلى أذنيه، وإبهاماه شحمتي أذنيه، وكفاه منكبيه، وهذا معنى قول الشافعي والأصحاب -رحمهم الله- عنهم: يرفعهما حذو منكبيه» (¬٣).
---------------
(¬١). شرح العمدة لابن تيمية، صفة الصلاة (ص: ٥١).
(¬٢). انظر العزو إلى مذهبهم عند حكاية الأقوال، وانظر: زاد المعاد (١/ ١٩٤، ١٩٥)، وانظر أيضًا إلى الشافي في شرح مسند الشافعي (١/ ٥١٥).
(¬٣). روضة الطالبين (١/ ٢٣١).

الصفحة 566