كتاب الجامع في أحكام صفة الصلاة - الدبيان (اسم الجزء: 2)
حكاه الماوردي عن مالك، ولم أقف عليه في كتب المالكية (¬١).
* دليل من قال: يستعيذ بعد القراءة:
الدليل الأول:
استدل بقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم} [النحل: ٩٨].
دلت الآية أن قراءة القرآن شرط، وذكر الاستعاذة جزاء، والجزاء متأخر عن الشرط، فكان ظاهر الآية يقتضي أن تكون الاستعاذة بعد القراءة، كقوله: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} [النساء:١٠٣].
* ويناقش:
بأن قوله: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} يحتمل: إذا أردت قراءته، كما في قوله تعالى {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [المجادلة:١٢]، وحديث أنس: كان إذا دخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث، أي إذا أراد دخوله.
وكقول القائل: إذا قلت فاصدق وإذا أحرمت فاغتسل يعني قبل الإحرام، والمعنى في جميع ذلك إذا أردت ذلك.
ويحتمل: إذا فرغت من القراءة، كما يفيده الفعل الماضي (قرأت).
ويحتمل المقارنة، كما في قوله صلى الله عليه وسلم إذا أمن الإمام فأمنوا: أي مع تأمينه، كما يبينه حديث: وإذا قال: ولا الضالين فقولوا آمين. والله أعلم.
فإذا كانت الاستعاذة لدفع شر الوسوسة في أثناء القراءة تعين حملها على المعنى الأول: أي إذا أردت القراءة، وهو قول عامة أهل العلم.
قال ابن العربي: «انتهى العي بقوم أن قالوا: إن القارئ إذا فرغ من قراءة القرآن حينئذٍ يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم» (¬٢).
الدليل الثاني:
أن القارئ كان في عبادة، فربما دخله عُجْبٌ أو رِيَاءٌ، وهما من الشيطان، فأمر بالتعوذ منه للسلامة من تسويله.
---------------
(¬١). الحاوي الكبير (٢/ ١٠٢).
(¬٢). أحكام القرآن لابن العربي (٣/ ١٥٧).