كتاب الجامع في أحكام صفة الصلاة - الدبيان (اسم الجزء: 2)

المقدمة الثانية: أن الأصل في الدعاء الإخفاء، قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِين} [الأعراف: ٥٥].
النتيجة: استحباب إخفاء التأمين.
فقوله: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} أمر بالدعاء مقرونًا بالإخفاء، وظاهر الأمر للوجوب، فإن لم يحمل على الوجوب فلا أقل من دلالته على الندب، ثم قال: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِين} فجعل ترك التضرع والإخفاء من الاعتداء بالدعاء، والمعتدي بالعبادة لا يستحق ثوابًا، والله أعلم.
(ح-١٤٥٠) ولما رواه البخاري ومسلم من طريق عاصم، عن أبي عثمان،
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكنا إذا أشرفنا على وادٍ، هللنا وكبرنا ارتفعت أصواتنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس ارْبَعُوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبًا، إنه معكم إنه سميع قريب، تبارك اسمه وتعالى جده، واللفظ للبخاري (¬١).
* ويجاب بأكثر من جواب:
الجواب الأول: أن الآية والحديث كل منهما عام، خُصَّ منهما الجهر بالتأمين لدليل خاص، والخاص يقضي على العام، فلا يصح الاستدلال بالعام على الخاص.
الجواب الثاني: أن التأمين ليس دعاء مستقلًا، بل هو من توابع الدعاء، والتابع له حكم متبوعه في الجهر والإسرار، فإذا جهر بالدعاء جهر بالتأمين، وإن أَسَرَّ الدعاء لم يجهر بالتأمين.
قال ابن قدامة: «وما ذكروه يبطل بآخر الفاتحة؛ فإنه دعاء، ويجهر به، ودعاء التشهد تابع له، فيتبعه في الإخفاء، وهذا تابع للقراءة، فيتبعها في الجهر» (¬٢).
وهذا كلام حسن، وإن كان المعوَّل عليه في الباب هو التوقيف فقد صح من حديث وائل أنه رفع صوته بالتأمين.
الدليل الرابع:
(ث-٣٥٦) ما رواه الطحاوي من طريق علي بن معبد، حدثنا أبو بكر بن
---------------
(¬١). صحيح البخاري (٢٩٩٢)، وصحيح مسلم (٤٤ - ٢٧٠٤).
(¬٢). المغني (١/ ٣٥٣).

الصفحة 555