كتاب الجامع في أحكام صفة الصلاة - الدبيان (اسم الجزء: 2)

قال ابن المنير نقلًا من فتح الباري: «الحكمة في إيثار الموافقة في القول والزمان أن يكون المأموم على يقظة للإتيان بالوظيفة في محلها؛ لأن الملائكة لا غفلة عندهم فمن وافقهم كان متيقظًا» (¬١).
وسبق لنا أن المراد بموافقتهم عند الجمهور موافقتهم بالوقت.
وقيل: يستحب أن يقع تأمين المأموم بعد تأمين الإمام، وهو قول في مذهب الحنابلة (¬٢).
واستدلوا بما رواه البخاري من طريق مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، أنهما أخبراه،
عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أمن الإمام، فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه (¬٣).
وجه الاستدلال من وجهين:
الوجه الأول:
التعبير بالفاء الدالة على الترتيب والتعقيب: (إذا أمن الإمام فأمنوا ... )، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن مبادرة الإمام، فقال: (إذا كبر فكبروا ولا تكبروا حتى يكبر)، ومعنى ذلك أنه لا يكبر معه، وقال أيضًا: (إذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد)، وكما أن المأموم يسلم عقب تسليم الإمام، وهكذا كل أفعال المأموم إنما يفعلها عَقِب إمامه، لا قبله، ولا معه، فكذلك التأمين.
وهو مقتضى حديث: (إنما جعل الإمام لِيُؤْتَمَّ به فإذا كبر فكبروا) (¬٤)، فلو أَمَّن مع إمامه خالف ظاهر حديث: (إذا أمن فأمنوا) وخالف ما علم من سنة الصلاة بأن تقع أفعال المأموم بعد أفعال إمامه، لا قبله، ولا معه، وهو مقتضى اتخاذه إمامًا.
---------------
(¬١). فتح الباري لابن حجر (٢/ ٢٦٥).
(¬٢). الفروع (١/ ١٧٥)، الإنصاف (٢/ ٥١).
(¬٣). صحيح البخاري (٧٨٠)، وصحيح مسلم (٧٢ - ٤١٠).
(¬٤). رواه البخاري (٧٣٣)، ومسلم (٧٨ - ٤١١) من طريق ليث، عن ابن شهاب،
عن أنس بن مالك، أنه قال: ... قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما الإمام - أو إنما جعل الإمام - ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا .... الحديث.

الصفحة 569