كتاب الجامع في أحكام صفة الصلاة - الدبيان (اسم الجزء: 2)

العلماء، أنه لا يجب على الإمام أن يسكت لقراءة المأموم بالفاتحة ولا غيرها» (¬١).
وإنما اختلف العلماء في استحباب سكتة الإمام بعد قراءة الفاتحة.
فقيل: لا تشرع، وهو مذهب الحنفية، والمالكية، والمنصوص عن الإمام أحمد في مسائله، ورجحه ابن تيمية، ونسبه إلى جمهور العلماء (¬٢).
---------------
(¬١). مجموع الفتاوى (٢٣/ ٢٧٦).
(¬٢). لا يرى الحنفية سكتة مشروعة سوى سكتة واحدة، وهي سكتة دعاء الاستفتاح، وأما السكتة التي بعد الفاتحة فإن كانت بمقدار قراءة الفاتحة فيرون كراهتها وإذا أطلق الحنفية الكراهة فهي محمولة على التحريم.

وإن كانت سكتة يسيرة بمقدار التأمين فهي مستحبة من أجل أن يؤمن الإمام والمأموم سرًا، لأنهم لا يرون مشروعية الجهر بالتأمين، فالسكتة بعد قول الإمام ولا الضالين دليل عندهم أن الإمام والمأموم لا يجهر بآمين، وقد سبق لك بحث مشروعية الجهر بالتأمين.
انظر شرح المشكاة للطيبي (٣/ ٩٩٤)، التجريد للقدوري (٢/ ٥٠٧، ٥٠٨)، فيض الباري (٢/ ٣٤٨)، شرح أبي داود للعيني (٣/ ٣٩٤)، مرقاة المفاتيح (٢/ ٦٨٠).
قال ابن مفلح في الفروع (٢/ ١٧٦): «في كلام الحنفية يحرم سكوته، لأن السكوت بلا قراءة حرام، حتى لو سكت طويلًا ساهيًا لزمه سجود السهو». ونقلته -وإن كان المصدر كتابًا حنبليًا- ليؤكد لك أن الكراهة عند الحنفية محمولة على التحريم، والله أعلم.
وأما الإمام مالك فأنكر مشروعية سكتات الإمام كلها، سواء أكان ذلك لدعاء الاستفتاح كما سبق بحثه، أم كان ذلك بعد قراءة الفاتحة، أم كان ذلك بعد القراءة وقبل الركوع، فيرى أن الإمام لا سكوت له في الصلاة بحال.
انظر في مذهب المالكية: المدونة (١/ ١٦٢)، التمهيد (١١/ ٤٣)، الاستذكار (١/ ٤٦٩)، التوضيح شرح ابن الحاجب (١/ ٣٣٨).
قال ابن رشد في بداية المجتهد (١/ ١٣١، ١٣٢): ذهب قوم إلى استحسان سكتات كثيرة في الصلاة، منها حين يكبر، ومنها حين يفرغ من قراءة أم القرآن وإذا فرغ من القراءة قبل الركوع، وممن قال بهذا القول الشافعي، وأبو ثور، والأوزاعي، وأنكر ذلك مالك، وأصحابه، وأبو حنيفة، وأصحابه».
ونص الإمام أحمد على مشروعية سكتتين: الأولى بعد تكبيرة الإحرام وقبل القراءة، والثانية: بعد الفراغ من القراءة وقبل الركوع.
جاء في مسائل أحمد رواية عبد الله (٢٧١): «سألت أبي عن السكتتين، فقال: إذا افتتح الصلاة سكت، وإذا فرغ من السورة سكت سكتة أخرى. قيل له: إذا قرأ الحمد. قال: إذا قرأ سورة بعد الحمد سكت». =

الصفحة 91