كتاب الجامع في أحكام صفة الصلاة - الدبيان (اسم الجزء: 3)

وجه الاستدلال:
في الحديث دليل على تخفيف الصلاة مراعاة لحال المأمومين. وفيه وعيد على من يسعى في تخلف الناس عن الجماعة بسبب التطويل.
وقد غضب النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يسأل المصلي المتأخر، أكانت إطالة الإمام موافقة للسنة أم مخالفة لها؟ وإذا كانت الزيادة مخالفة للسنة، أكانت كثيرة شاقة أم يسيرة محتملة؟
وقد قال أهل الأصول: ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال، فدل الحديث على أن مراعاة حال المأموم، وتأليفه على صلاة الجماعة أولى من مصلحة التطويل مطلقًا.
والجماعة لم تعقد إلا من أجل مصلحة الاجتماع، فإذا كان الإمام ينفر الناس عن الجماعة كان ذلك أدعى لتغييره، وتحبيب الناس لصلاة الجماعة الواجبة وتأليفهم وجمعهم عليها أولى بالمراعاة من زيادة مقدار القراءة، وهي سنة لا يؤثر تركها في صحة صلاتهم، وقد حصل أصل السنة بمطلق القراءة، حتى لو قرأ معها آية واحدة.
الدليل الثاني:
(ح-١٥٢٦) ما رواه البخاري من طريق مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج،
عن أبي هريرة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا صلى أحدُكم للناس فليُخفِّفْ؛ فإنَّ فيهم الضعيفَ والسقيمَ والكبيرَ، وإذا صلى لنفسه فليُطوِّلْ ما شاء.
ورواه مسلم من طريق المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي، عن أبي الزناد به (¬١).
وجه الاستدلال:
فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بتخفيف الصلاة، ولم يقيد هذا التخفيف بمقدار معين، والأمر المطلق جارٍ على إطلاقه، وهو أقوى من الفعل؛ لأن الفعل يدخله الاحتمال بخلاف القول، فدل الحديث على أن مراعاة أحوال المأمومين من السنة القولية.
قال ابن عبد البر: «لا توقيت في القراءة عند العلماء بعد فاتحة الكتاب، وهذا إجماع من علماء المسلمين، ويشهد لذلك قوله عليه السلام (من أم الناس
---------------
(¬١). صحيح البخاري (٧٠٣)، وصحيح مسلم (١٨٥ - ٤٦٧).

الصفحة 149