كتاب الجامع في أحكام صفة الصلاة - الدبيان (اسم الجزء: 3)

صحيح كما سيأتي فدل على أن الحكم في إطالة الصلاة وتقصيرها يختلف من جماعة إلى أخرى، وأن المحكم هو حال المأموم في تلك الجماعة، لا إلى مطلق السنة، وسيأتي الاستدلال بهذا الحديث، وبيان وجه الاستدلال به بشكل أوضح.
وحمل جماعات المصلين في السنن على اختلافهم على العهد الأول دون اعتبار لحال الوقت ودون أخذ بالاعتبار حال تلك الجماعة قوة وضعفًا، وفراغًا وشغلًا غير ممكن، فالسابق اليوم إلى الخيرات إذا قيس بالمقتصد في العهد الأول احتقر عمله.
وقد نقل النووي عن العلماء قولهم: «كانت صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تختلف في الإطالة والتخفيف باختلاف الأحوال، فإذا كان المأمومون يؤثرون التطويل، ولا شغل هناك له، ولا لهم طَوَّل، وإذا لم يكن ذلك خفف» (¬١).
وكون النبي - صلى الله عليه وسلم - الآمر بالتخفيف يطيل صلاته، فهذا محمول على علمه - صلى الله عليه وسلم - بمن كان يصلي معه، ورغبتهم بإطالة الصلاة، وعليه يحمل ما ورد عن أبي بكر من الصلاة مرة بسورة البقرة ومرة بآل عمران، وما ورد عن عمر من الصلاة بالبقرة ويوسف والحج والإسراء ويونس وهود، فإن هذا المقدار مخالف للمقدار الذي كان يصلي به النبي - صلى الله عليه وسلم -، بقدر الضِّعْفِ بل أكثر، إلا أن مخالفة الشيخين لمقدار قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - مع علمهم بإنكار النبي - صلى الله عليه وسلم - على من طَوَّل تطويلًا زائدًا محمول على ما ذكرت، بأن الإمام إذا علم من جماعته الرغبة بالتطويل، وكانت الجماعة محصورة، وخَلَتْ الجماعة من وجود مريض ومشغول فلا حرج من إطالة القراءة في صلاة الصبح، حتى ولو امتدت القراءة إلى الإسفار، وإذا جاز للإمام زيادة القراءة عن المقدار الوارد بالسنة تحقيقًا لرغبة الجماعة، جاز تخفيف القراءة عن المقدار الوارد بالسنة إذا ما رغبوا ذلك بجامع أن كُلًّا منهما لم ترد به السنة الفعلية، بل إن الإطالة على مقدار ما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - وقع النهي عنه صريحًا والتحذير منه، والتخفيف عن المقدار الذي كان يقرأ به النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أتم الأركان والواجبات لم يرد في النصوص الشرعية ما ينهى عنه، فكيف يُسَوَّغ ما وقع النهي عنه صريحًا، ووصف صاحبه بالمُنَفِّر، ومرة بالفتان، ولا يُسَوَّغ ما جاء في النصوص ما يدل على
---------------
(¬١). شرح النووي على صحيح مسلم (٤/ ١٧٤).

الصفحة 151