كتاب الجامع في أحكام صفة الصلاة - الدبيان (اسم الجزء: 3)

جوازه من الأمر بالتخفيف، والله أعلم.
الدليل الثالث:
(ح-١٥٢٧) ما رواه مسلم من طريق مسعر، قال: حدثني الوليد بن سريع،
عن عمرو بن حريث: أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الفجر والليل إذا عسعس (¬١).
فهذا النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قرأ في صلاة الصبح من أواسط المفصل، وهو يفعل ذلك ليبين الجواز، وعدم الكراهة، فدل على أن التخفيف ليس مكروهًا.
ولم يقل بكراهة تخفيف القراءة في صلاة الصبح إلا الحنابلة، وهو قول ضعيف، ولا يلزم من ترك السنة الوقوع في المكروه، وإطالة القراءة في صلاة الصبح ليس من السنن المؤكدة، لأن السنة لا تتأكد إلا إذا واظب عليها النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يتركها حضرًا، ولا سفرًا، كالوتر وركعتي الفجر.
وتخفيف القراءة في السفر مجمع عليه، وهذا دليل تركها في السفر، وحديث عمرو بن حريث ظاهره في صلاة الحضر، إذ لو كان ذلك في السفر لجرى تقييده، وقد صلى فيه بالتكوير فدل على ترك الإطالة أحيانًا، وكل ذلك يدل على أن الإطالة ليست من السنن المؤكدة، وأن من قرأ من قصار المفصل في صلاة الصبح فصلاته تامة.
(ث-١٩٣) روى عبد الرزاق في المصنف، عن موسى الجهني،
عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص، قال: كان أبي يطيل الصلاة في بيته، ويخفف عند الناس، فقلت: يا أبتاه لم تفعل هذا؟ قال: إنا أئمة يُقْتَدَى بنا (¬٢).
[صحيح] (¬٣).
وعلى التسليم بأن القراءة من قصار المفصل في صلاة الصبح مكروهة، فإن الكراهة ترفعها الحاجة، والحاجة إلى تخفيف القراءة في هذا العصر قائمة خاصة في وقت الصيف، حيث الناس قد ابتلوا بالسمر، وتأخير النوم.
---------------
(¬١). صحيح مسلم (١٦٤ - ٤٥٦).
(¬٢). المصنف (٣٧٢٩).
(¬٣). ورواه ابن أبي شيبة في المصنف ت عوامة (٤٦٩٩) حدثنا عباد بن العوام،
والطبراني في الكبير (١/ ١٤٣) ح ٣١٧، من طريق يحيى بن سعيد، كلاهما عن موسى الجهني به.

الصفحة 152